إمارة التحرير الإسلامية؟
فهمي هويدي
آخر تحديث:
الإثنين 1 أغسطس 2011 - 9:59 ص
بتوقيت القاهرة
أتكون الإمارة الإسلامية هى التالية فى ميدان التحرير، بعد الانتهاء من مراسم تأسيس «إمارة سيناء»؟ ــ ليس السؤال عبثيا تماما، لأننا قرأنا فى عدد «الشروق» أمس (31/7) تصريحا لمصدر أمنى تحدث عن أن البعض فى سيناء خرجوا فى موكب رافعين أعلاما سوداء نقشت عليها عبارة «الإمارة الإسلامية»، وذلك فى أعقاب الهجوم على مركز شرطة العريش. ولم أفهم لماذا أخذ الكلام على محمل الجد، وتحول إلى عنوان رئيسى على الصفحة الأولى. فى حين أنه من ذلك النوع الذى ما إن يسمعه المرء من أذن حتى يخرجه من الأذن الأخرى، حيث ليس هناك ما يسوغ بقاءه فى الوعى أو الذاكرة. علما بأن إبرازه على النحو الذى وقع ربما وجد هوى لدى آخرين من الشباب وشجعهم على الحديث عن «إمارة التحرير الإسلامية»، خصوصا إذا تبينوا أن الفضاء يحتمل مثل هذه الفرقعات، وأن الإمارة المذكورة يمكن أن تقوم وتشغل الناس، لمجرد أنها ظهرت فى وسائل الإعلام، دونما حاجة إلى الظهور على أرض الواقع.
قبل أى كلام فى الموضوع فإننى أعتبر الهجوم على مركز الشرطة لمجرد كونه رمزا للسلطة جريمة لا تغتفر، ينبغى أن يلاحق فاعلوها وأن يوقع عليهم العقاب المشدد الذى يردعهم هم وأمثالهم. وإذا ما عدنا إلى الموضوع فإننى لا أجد مسوغا للاهتمام بحكاية إمارة سيناء الإسلامية سوى العنوان الذى يناسب الأجواء الراهنة، ويتجاوب مع حملة التنديد والتصعيد التى تروج لها بعض الدوائر بعد الذى جرى يوم الجمعة من استعراض للقوة قام به السلفيون بوجه أخص.
إن ثمة كلاما جادا ينبغى أن يقال بعد إطلاق الفرقعة، وبمناسبة الأجواء الراهنة، وألخص هذا فى النقاط التالية:
● إنه ليس كل ثرثرة أو ادعاء يمكن أن تصنف بحسبانها خبرا. وإذا كان من حق أى أحد أن يمارس حريته فى التعبير والتمنى، فيطلق ما يشاء من نداءات وعناوين، فإن وزن القائل ومعقولية الكلام ينبغى أن يوضعا فى الاعتبار عند تقييمه. وحين حاولت أن أتحرى مسألة إمارة سيناء الإسلامية، فإن زميلنا مصطفى سنجر مراسل «الشروق» فى العريش قال لى إن البعض تحدث عن الموضوع قبل سبع سنوات تقريبا، وإن مجموعة من المتطرفين الذين لا شعبية لهم رددوا الفكرة هذه الأيام. بما يعنى أن الكلام له أصل حقا، لكنه صادر عمن لا وزن لهم أو صفة.
● إن سياسة الاصطياد والتربص التى تتعمد إعادة إنتاج الفزاعة الإسلامية وتشويه فصائل التيار الإسلامى ينبغى تجاوزها، باعتبارها من مخلفات النظام السابق «وفلوله». لا أدعو إلى تحصين ذلك التيار ضد النقد وأزعم أنه لا ينبغى أن يغض الطرف عن اخطائه وحماقات بعض المنتمين إليه، ولكن ما أفهمه أن النقد مجاله ساحة الرأى، ولكن العبث بالاخبار واللعب فى صياغتها لشيطنة طرف وفض الناس من حوله، يتعارض مع أصول المهنة وأخلاقياتها. وهو فى هذه الحالة لا يعد نقدا ولكنه يصبح أقرب إلى الدس والتدليس الإعلامى الذى يهدر تلك الأصول ويخل بأمانة التعبير وصدقيته. وهذا الدس والتدليس شائع هذه الأيام، بل إنه السلاح المعتمد فى الحرب الثقافية الباردة الجارية. وللأسف فإن عملية الاصطياد هذه لم يتورط فيها بعض الصحفيين الساعين إلى الإثارة والوقيعة فقط، وإنما أصبح يلجأ إليها بعض الكتاب المحترمين، ناهيك عن غير المحترمين بطبيعة الحال.
● إن السلفيين ينبغى أن يدركوا أن حملة التعبئة المضادة التى لم تتوقف طوال العقود الأخيرة أثارت مخاوف كثيرين، حتى من التيار الإسلامى المعتدل. ومن هؤلاء أناس متدينون وسيدات محجبات. وقد حدثنى الدكتور محمد العوا عن فتاة محجبة تقدمت نحوه بعدما ألقى محاضرة فى الإسكندرية، وقالت له بصوت مسكون بالخوف والفزع: ماذا سنفعل إذا وصل الإخوان إلى السلطة؟ وإذ فوجئ بذلك فإنه سألها ضاحكا ماذا تتوقعين أن يفعلوا بك وأنت ترتدين الحجاب؟. وإذا كان مثل ذلك الخوف قد شاع بين المعتدلين، فإن ذلك يصور لك ما بلغه الخوف حين رأى الناس جموع السلفيين وسمعوا هتافاتهم الجهيرة فى ميدان التحرير. الأمر الذى يعنى أنهم مطالبون بتهدئة خواطر الناس وطمأنتهم، لا على سبل الادعاء والتظاهر، ولكن بخطاب أكثر سماحة وودا وبسلوك أكثر رقة وورعا وأصدق تعبيرا عن خلق المسلم الذى يتحلى بالحكمة والموعظة الحسنة.