طوق إنقاذ أم حبل مشنقة؟
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأربعاء 4 أكتوبر 2017 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
ظلال كثيفة على مستقبل المصالحة الفلسطينية وألغام يصعب نزعها بسهولة.
هكذا تتبدى مخاوف وشكوك وتساؤلات حول مشروع إنهاء الانقسام الفلسطينى.
المصالحة بذاتها ضرورية لإعادة اعتبار القضية الفلسطينية، التى نال منها بفداحة الانقسام بين غزة ورام الله، حتى بات الرأى العام الفلسطينى ضجرا من حركتى «فتح» و«حماس» معا وشبه مكشوف أمام السياسات التوسعية الإسرائيلية، فلا يرى أمامه طريقا يمضى عليه، أو أملا فى أن تفضى تضحياته ومعاناته الطويلة لانتزاع شىء من حقوقه التى أهدرت.
كما يقال ـ عادة ـ الشيطان فى التفاصيل، فما هو ضرورى ويستحق الإسناد قد يوظف لضربة قاتلة أخيرة.
أهم الأسئلة: ما المسار الذى قد تأخذه المصالحة الفلسطينية؟ ـ ترميم البيت من الداخل حتى يكون بوسع الفلسطينيين أن يطرحوا من جديد قضيتهم العادلة على العالم كشعب تحت الاحتلال يعانى القهر والتمييز والعنصرية.. أم تهيئة المسرح كله لفرض الاشتراطات الإسرائيلية وفق ما تسمى بـ«صفقة القرن»؟
بمعنى آخر: بأى أفق سياسى سوف تستكمل المصالحة إجراءاتها وخطواتها المتفق عليها؟
فيما يشبه قطع طريق مبكر على مشروع إنهاء الانقسام حاول رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» أن يملى تصوراته وأفكاره على اللاعبين الفلسطينيين والضامن المصرى قبل التوصل إلى أى تفاهمات متماسكة بالملفات الملغمة، التى من المقرر مناقشتها فى القاهرة بوقت لاحق.
أخطر تلك الملفات، وأكثرها حساسية وتعقيدا، مستقبل «سلاح حماس».
رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» يطلب بوضوح، وربما كشرط مسبق: «أن تكون هناك دولة واحدة بسلاح واحد ونظام واحد وقانون واحد» ـ كما قال لمحطة «cbc» المصرية قبل أن تجتمع فى غزة ـ لأول مرة منذ فترة طويلة ـ حكومة التوافق الوطنى برئاسة «رامى الحمد لله» بعد حل «اللجنة الإدارية»، التى حكمت «حماس» من خلالها القطاع المحاصر.
ورئيس المكتب السياسى لحركة «حماس» «إسماعيل هنية» يرفض بنفس الوضوح، وربما كشرط مانع أى نزع لـ«سلاح المقاومة»، الذى يختلف عن «نوع آخر من السلاح تحتكره الحكومة والشرطة وأجهزة الأمن».
رغم عمق المأزق وتعقيداته فإنه يمكن تجاوزه بصيغة أو أخرى مثل تأجيله لمرحلة مقبلة حتى تتأكد حقائق المصالحة على الأرض، أو الاتفاق على أن يكون قرار الحرب والسلام للمؤسسات الوطنية المنتخبة لا لفصيل أو آخر.
قبل أى تفاوض فلسطينى بحثا عن مخرج توافقى من هذا المأزق طلب «نتنياهو» علنا وأمام الكاميرات حل الذراع العسكرية لـ«حماس» ـ كشرط أول لتقبل المصالحة الفلسطينية.
الكلام واضح ولا يقبل أدنى لبس، فالسلاح الفلسطينى ممنوع ومقتضيات الأمن الإسرائيلى أساس أى تقبل للمصالحة.
بحسب القوانين الدولية فإن المقاومة حق مكفول للشعوب المحتلة، وهذا ما ينكر على الشعب الفلسطينى باسم أمن قوات الاحتلال!
أسوأ ما انطوت عليه «اتفاقية أوسلو»، التى وقعت عام (١٩٩٣)، أنها وفرت نوعا من «الاحتلال منخفض التكاليف»، فلا الأرض استعيدت ولا مشروعات الاستيطان توقفت ولا كانت هناك دولة.
كان المفاوض الإسرائيلى حريصا على وضع توقيع منظمة التحرير الفلسطينية دون غيرها بتلك الاتفاقية، حتى يكون ذلك آخر أدوارها كتعبير عن وحدة الشعب والقضية، فلا صلة بعرب (١٩٤٨) خلف الجدار، ولا استعداد لأى نقاش حول «حق العودة» المنصوص عليه فى قرارات دولية.
المعنى ـ هنا ـ وضع «حماس» تحت ضغوط اللعبة نفسها، اعترافا بإسرائيل بلا مقابل، كأنه عودة إلى صيغة «سلام بلا أرض» بتعبير المفكر الفلسطينى «إدوارد سعيد»، أو «سلام الأوهام» بتعبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل».
لم يكن ذلك هو الشرط الوحيد، فقد لحقه بشرط ثانٍ يطلب فيه أن تعترف «حماس» بإسرائيل، دون أن يرد على لسانه أى استعداد لالتزامات مقابلة، مثل «حل الدولتين»، أو الانسحاب من أية أراضٍ محتلة، أو وقف الاستيطان، أو الاحتكام إلى أية مرجعيات دولية.
لا شىء على الإطلاق، وهذا ينبئ عن نوع «السلام» الذى يطلبه وفق موازين القوة الحالية، فالفلسطينيون يعانون من نزعات تهميش، والضامن المصرى للمصالحة يرزح تحت وطأة أزماته، والعالم العربى ممزق، والإقليم كله خرائطه مهددة بسيناريوهات التقسيم.
هذا النوع من السلام يلخص جوهر ما تسمى بـ«صفقة القرن»، التى تقضى ـ وفق تسريبات إسرائيلية ـ بضم الكتل الاستيطانية فى الضفة الغربية للدولة العبرية، وإجبار أغلبية العرب على مغادرة القدس المحتلة بحيث لا يتبقى فيها أكثر من (١٠٪) من سكانها الحاليين والبحث عن أوطان بديلة للفلسطينيين أحد سيناريوهاتها المعلنة فى شمال سيناء، فضلا عن ضم الجولان السورية إلى «إسرائيل الكبرى».
من هذه الزاوية تكتسب التفاهمات الأمنية بين مصر و«حماس» قيمة استراتيجية مضافة حتى لا يصدر المأزق الديموجرافى إلى أية أراضٍ مصرية وإعفاء الاحتلال من تبعات جرائمه.
ما يعنيه هذا النوع من السلام تصفية القضية الفلسطينية للأبد، أو أن يعيش أهلها فى «كانتونات» معزولة بلا اتصال فى أراضٍ أو سيادة على قرار.
إذا ما أطلق على ذلك الوضع اسم «دولة» فإنها بلا أدنى مقومات تسمح لها بالقدرة على الحياة وتخضع ـ كما هو الحال الآن ـ لسلطة الاحتلال.
هل هذا هو المآل المحتمل للمصالحة الفلسطينية؟
حسب الخطاب الرئاسى فى مصر «هناك ضرورة لتأكيد صدق توجه الشعب الفلسطينى نحو السلام» ـ كأن المشكلة فى الفلسطينيين لا الاحتلال.
وحسب نفس الخطاب فإن «هناك فرصة سانحة لا يجب أن تضيع لاستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى».
ما الذى يجعلها سانحة؟!.. ووفق أى معطيات تطلق مثل هذه العبارات التى لا تستند على أى حقيقة، أو شبه حقيقة.
بالنسبة لقضية لها تاريخ طويل وشعب حى يؤمن بها ومستعد للتضحية دوما، رغم ما يتعرض له من إنهاك وحصار وخيبات أمل، يستحيل أن تمر مثل هذه التسويات المجحفة، التى تستهدف تطبيعا مجانيا مع العالم العربى اقتصاديا واستخباراتيا وعسكريا وإضفاء دور جوهرى فى معادلات وتفاعلات الإقليم على إسرائيل ـ كأننا نعطيها مزيدا من أسباب القوة بالمجان.
طبقا للرؤية الأمنية الإسرائيلية كان الشرط الثالث لـ«نتنياهو» لعدم ممانعته فى المصالحة الفلسطينية هو قطع العلاقات مع إيران ـ كأنه يطلب توظيفها لمقتضى كامل استراتيجياته فى الإقليم.
هذه كلها «صكوك استسلام» مجانية مطلوبة مقدما.
التحدى الحقيقى الآن هو تجنب «الشراك الإسرائيلية» وعدم تمكينها من إخضاع المصالحة الضرورية لعكس ما يطلبه الفلسطينيون العاديون، أن تكون طوق إنقاذ لا حبل مشنقة.