الديمقراطية لها ثمن
فهمي هويدي
آخر تحديث:
السبت 5 مارس 2011 - 9:27 ص
بتوقيت القاهرة
حين سألتنى إحدى الصحفيات عن رأيى فى إلغاء وزارة الإعلام، قلت إنها خطوة جيدة من حيث الشكل، إلا أن المشكلة ليست فى وجود الوزارة وإنما هى الوصاية، التى تمارسها على الإعلام وتنطلق من الموقف الأبوى والاستعلائى الذى تمارسه السلطة إزاء المجتمع. وتمنيت أن يكون إلغاء الوزارة خطوة باتجاه تحرير التليفزيون من تلك الوصاية، التى أفقدته ثقة الناس واحترامهم.
هذه النقطة أصبحت محل تساؤل خلال الأسبوع الأخير، حيث بدا أن الوصاية تكاد تطل برأسها. وإن تراجعت نسبتها بشكل ملحوظ، حيث لابد أن نعترف بأنه ثمة جرأة مشهودة فى التعبير عن الآراء، وإلغاء نسبيا لفكرة التعتيم التى فرضها التليفزيون فى السابق على أسماء بعض المثقفين والسياسيين، وإذ بدا سقف التعبير مرتفعا خلال الأيام التى أعقبت رحيل الرئيس السابق، إلا أن ثمة إشارات توحى بأنه انخفض فى الأسبوع الأخير، حيث بدأت تلوح فى الأفق مقدمات للحساسية وضيق الصدر بهامش حرية التعبير، الذى ظهر فى بعض البرامج. أتحدث عن وقائع محددة منها على سبيل المثال:
● إن رئيس الوزراء السابق غضب من الانتقادات التى وجهها إليه زميلنا الأستاذ إبراهيم عيسى أثناء الحوار الذى أجراه معه عمرو الليثى فى برنامجه «واحد من الناس» إذ حين شاهد الحلقة عند إعادتها فى اليوم التالى، فإنه أجرى اتصالا هاتفيا مع الدكتور أحمد بهجت صاحب قناة «دريم» التى تبث البرنامج، ولابد أنه أسمعه كلاما شديدا وضاغطا، لأن الرجل سارع إلى الاتصال بالمسئولين فى القناة وطلب قطع الإرسال على الفور، وتم له ما أراد، ومن «المصادفات» أن النائب العام تلقى فى اليوم التالى مباشرة أول بلاغ ضد الدكتور بهجت اتهمه فيه بإهدار المال العام (!).
● إن زميلنا الأستاذ محمود سعد، النجم التليفزيونى المعروف حين سجل حوارا مع إبراهيم عيسى، طلب منه إرسال نسخة من الحوار لمراجعته لدى إدارة التوجيه المعنوى التابعة للقوات المسلحة، واستغرقت عملية المراجعة نحو أسبوع، ثم بث الشريط بعده دون أن يتعرض للحذف. وفهمت أن ذلك الإجراء اتخذ إزاء حوارات أخرى مع بعض الشخصيات، على رأسها الأستاذ محمد حسنين هيكل والقيادى الإخوانى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح.
● إن محمود سعد كان قد أعد حلقة من برنامج «مصر النهاردة» ليوم السبت الماضى 26/2 بحيث يتحدث فيها كل من الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والدكتور أسامة الغزالى حرب. ولكنه فوجئ بعد ظهر ذلك اليوم باتصال هاتفى يبلغه بأن ضيف الحلقة سيكون السيد أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق، مما أثار استياءه واعتبر أن ذلك بمثابة تدخل فى البرنامج يعيد إلى الأذهان ممارسات زمن التعليمات الفوقية الذى ولى. وإزاء ذلك أصر محمود سعد على رفض تقديم الحلقة وأبلغ من حدثه من التليفزيون بأنه لن يتنازل عن موقفه ولن يقبل إملاء من أحد، ولذلك فإنه سيعتبر نفسه مستقيلا، ولن يظهر على شاشة تليفزيون الحكومة بعد ذلك.
الواقعة تحدثت عنها السيدة منى الشاذلى فى برنامج «العاشرة مساء» الذى تبثه قناة «دريم». واستضافت محمود سعد الذى روى للمشاهدين ما جرى. وإذا بالسيد أحمد شفيق يتصل هاتفيا فى البرنامج لكى يقول إن محمود سعد امتنع عن تقديم الحلقة لأنهم كانوا يبحثون عن تخفيض أجره من تسعة ملايين جنيه فى السنة إلى مليون ونصف المليون. مثيرا بذلك مسألة تتعلق بعقده المبرم مع الشركة المنتجة للبرنامج، الأمر الذى صرف الانتباه عن الموضوع الأساسى المتعلق بالموقف المبدئى الرافض للوصاية، الذى تبناه محمود سعد، وبسببه ضحى بالمبلغ الذى كان يتقاضاه.
قد تبدو مثل هذه التصرفات وكأنها ممارسات استثنائية لا ينبغى القياس عليها أو تعميمها، وهو ما أتمناه، لكننى أخشى من أمرين، أولهما أن تؤدى تلك الممارسات إلى الإساءة إلى موقف الجيش الذى نعلم أنه يخوض هذه الأيام معركة شرسة لملاحقة مظاهر وأركان الفساد فى مصر. الأمر الثانى أن يستمرئ البعض بمضى الوقت فكرة الوصاية على المجتمع بما يؤدى إلى اتساع نطاق الرقابة ويعيدنا إلى الوضع الأسوأ الذى كنا عليه.
إن الذين ينتقدون رئيس الوزراء (الذى استقال الخميس) أو من هو أعلى منه هم الأكثر إخلاصا وغيرة على الحلم الذى استدعته الثورة. فضلا عن أن ارتفاع صوت النقد هو الثمن الذى يتعين دفعه للتحول نحو الديمقراطية الحقة، وللعلم فإن الثورة ستظل بخير طالما كان ذلك الصوت الناقد مسموعا. كما أنها ستصبح فى خطر أكيد إذا ما كثر المداحون والمهللون، وقد أصبح بعضهم يطلون برءوسهم الآن فى الصحف القومية التى لا يزال يتحصن فيها جنود فرعون.