مدى أحقية إسرائيل في رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية!!
رخا أحمد حسن
آخر تحديث:
الثلاثاء 5 مارس 2024 - 7:45 م
بتوقيت القاهرة
أعلن وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى 30 يناير 2024 أنه طلب من مسئولين فى وزارة الخارجية الأمريكية مراجعة وتقديم خيارات سياسية بشأن اعتراف أمريكى ودولى محتمل بالدولة الفلسطينية بعد انتهاء الحرب فى غزة. ورأى بعض المراقبين أن الحرب على قطاع غزة أدت إلى فتح المجال لتحول داخل إدارة الرئيس بايدن بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذى ينبغى أن يكون الخطوة الأولى لحل الصراع الإسرائيلى الفلسطينيى بدلا من جعل الأولوية للمفاوضات. وقد أدلى بلينكن بتصريحات أخرى خلال جولته الأخيرة فى الشرق الأوسط جاء فيها أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية فرصة تاريخية للسلام الشامل فى الشرق الأوسط. ورأى المراقبون أنه، إذا كان هذا هو الموقف الأمريكى من الدولة الفلسطينية، وهى الداعم الرئيسى لإسرائيل، فإنه يعنى أن واشنطن ترى أن هذا فيه ضمان لإسرائيل أكثر قوة من الاستمرار فى دائرة الصراع والحروب بين الحين والآخر.
وسبق أن وقع زعماء أسبانيا وبلجيكا وأيرلندا ومالطا رسالة مشتركة إلى قمة الاتحاد الأوروبى، طالبوا فيها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، موضحين أن هذا الاعتراف يدعم السلام فى الشرق الأوسط، وكان ذلك فى 12 ديسمبر 2023. وأوضح رئيس حكومة أسبانيا بعد ذلك أنه، إذا لم يتخذ الاتحاد الأوروبى قرارا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، فإن أسبانيا ستسلك طريقها الخاص لتحقيق هذا الاعتراف. كما صرح جوزيب بوريل، مسئول السياسة الخارجية والأمنية فى الاتحاد الأوروبى، على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين الذى عقد فى البرازيل يومى 20 و21 فبراير 2024، أنه لم يسمع أحدا من الوزراء المشاركين فى الاجتماع يعارض حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، وأن القاسم المشترك بينهم أنه لن يكون هناك سلام وأمن لإسرائيل ما لم يكن لدى الفلسطينيين أفق سياسى واضح لبناء دولتهم الخاصة، وأعرب عن أمله أن يرى اقتراحا من الدول العربية فى هذا الاتجاه خلال الأيام المقبلة.
وواضح من كلام بوريل أنه ليس لديه تصور واضح عن الدولة الفلسطينية، أو أنه يعيد الموضوع إلى الدول العربية إزاء اختلاف مواقف الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكأن هذا الموضوع لم يقتل بحثا بالتفصيل منذ عام 1993 حتى الآن.
ولم تتخلف بريطانيا عن مشاركة المطالبين بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث أعلن ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطانى أثناء زيارته لبنان فى 2 فبراير 2024، أن حكومته يمكن أن تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية بعد وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، دون انتظار ما ستسفر عنه محادثات مستمرة منذ سنوات بين إسرائيل والفلسطينيين حول حل الدولتين، وأوضح أنه لا يمكن الاعتراف ما دامت حركة حماس موجودة فى قطاع غزة، ولكن الاعتراف يمكن أن يتم أثناء استمرار مفاوضات إسرائيل مع القادة الفلسطينيين، ويمكن قبول الدولة الفلسطينية فى الأمم المتحدة، وقال إن هذا أمر حيوى للغاية للسلام والأمن على المدى الطويل فى المنطقة.
ويلاحظ أن استبعاد كاميرون لحركة حماس يلقى بظلال شك على مسألة اعتراف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، لأنه وفقا لأغلبية الآراء، بما فيها رأى جوزيب بوريل، أنه لا يمكن القضاء على حماس كما تريد إسرائيل.
وقد أثارت نية أقوى الدول تأييدا لإسرائيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية انزعاجا شديدا للحكومة الإسرائيلية، وخاصة رئيس وزرائها نتنياهو، فعقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعا يوم 18 فبراير 2024، وافقت فيه بالإجماع على رفض الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية فى الأمم المتحدة، ورفضها بشكل قاطع إملاءات دولية بشأن تسوية دائمة مع الفلسطينيين، وأنه يفضل إتمام هذه التسوية من خلال مفاوضات مباشرة بين الأطراف بدون شروط مسبقة، ومعارضة اعترافا دوليا أحادى الجانب لأنه بمثابة جائزة كبرى لا مثيل لها للإرهاب (المقاومة الفلسطينية) بعد مذبحة 7 أكتوبر 2023 (عملية طوفان الأقصى الفلسطينية). كما عقد البرلمان (الكنيست) الإسرائيلى جلسة خاصة أقر فيها رفض الاعتراف أحادى الجانب بالدولة الفلسطينية.
• • •
الحقيقة أن كل ما أثير بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، سواء بإبداء واشنطن أنها تبحث ذلك وقد يكتمل البحث فى أكتوبر القادم، أو رغبة بعض الدول الأوروبية فى الإسراع بهذا الاعتراف بصورة أو أخرى وتردد البعض واعتراض البعض الآخر، كل ذلك يتجاهل عدة حقائق بالغة الأهمية منها:
1ــ قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة لليهود، ودولة للفلسطينيين، الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 181 فى 29 نوفمبر 1947، بموافقة 33 دولة، واعتراض 13 دولة، وامتنعت عن التصويت 10 دول، (كان إجمالى أعضاء الأمم المتحدة 56 دولة)، وتكليف بريطانيا المنتدبة على فلسطين بتنفيذ القرار. ويلاحظ أن سبب الاعتراض على القرار هو عدم عدالة تقسيم فلسطين، حيث خصص لليهود، وكانوا يمثلون ثلث سكانها 56% من مساحة فلسطين، وخصص للفلسطينيين 42% فقط رغم أنهم كانوا يمثلون ثلثى السكان، أما الـ2% المتبقية فكانت تشمل القدس وبيت لحم وضواحيهما، ووضعها القرار المشار إليه تحت إشراف هيئة تابعة للأمم المتحدة. وكانت الدول المعترضة على القرار هى 6 دول عربية كانوا كل الدول العربية فى الأمم المتحدة، و7 دول غير عربية هى أفغانستان، وكوبا، واليونان، والهند، وإيران، وباكستان، وتركيا. ومن ثم فالاعتراض لم يكن عربيا فقط، ولم يمنع هذا الاعتراض تنفيذ القرار وقيام دولة إسرائيل رسميا فى مايو 1948، وبقى تنفيذ الشق الثانى من القرار وهو قيام الدولة الفلسطينية.
2ــ لم تقبل عضوية إسرائيل فى الأمم المتحدة إلا بعد قبولها والتزامها بقرار الأمم المتحدة 181 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، والقرار 194 بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم هم وأبناؤهم عن ما لحق بهم من أضرار، رغم محاولة إسرائيل التهرب من هذين الالتزامين على مدى عام كامل إلى أن رضخت والتزمت بهما فقبلت عضويتها فى الأمم المتحدة عام 1949. ومن ثم، فإن عضوية إسرائيل فى المنظمة الدولية مرتبطة بالتزامها واعترافها بالدولة الفلسطينية، وبحقوق اللاجئين فى العودة والتعويض. ولم يلغَ أى من القرارين حتى الآن.
3ــ قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 2012 قبول دولة فلسطين بصفة مراقب فى المنظمة الدولية، وصدر القرار بأغلبية 138 دولة، واعتراض 9 دول، وامتناع 41 دولة عن التصويت وغياب 5 دول عن الجلسة، من إجمالى الأعضاء 193 دولة. وإن أغلبية الدول التى اعترفت بالدولة الفلسطينية لديها سفارات فلسطينية معتمدة ومدرجة على قوائم السلك الدبلوماسى لدى هذه الدول. كما أن رئيس السلطة الفلسطينية، عندما يشارك بإلقاء كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يجلس فى مقاعد رؤساء الدول إلى أن يحل دوره لإلقائها، ويستخدم اسم دولة فلسطين فى مستندات الأمم المتحدة الرسمية.
ويلاحظ أنه رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من بين الدول التى وافقت على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، وأن القرار لم يتم إلغاؤه، إلى جانب المسئولية الخاصة التى تتحملها بريطانيا التى كانت تتولى الانتداب على فلسطين بتكليف من الأمم المتحدة، وتقع عليها مسئولية تنفيذ قرار التقسيم، إلا أن بريطانيا تخلت عن هذه المسئولية وأعلنت الرحيل عن فلسطين وتركت الإسرائيليين يفعلون ما يريدون فى فلسطين دون توفير أى حماية دولية للفلسطينيين. وبالرغم من ذلك، تحاول واشنطن ولندن الإيعاز سياسيا وإعلاميا بأن مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية جديدة وتحتاج إلى دراسات ومماحكات للاعتراف بها. وهذا يقتضى أخذ تصريحاتهما عن أنهما يدرسان إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحذر شديد طالما أنهما ليس لديهما خطة واضحة ومحددة بجدول زمنى للاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها عضوا كامل العضوية فى الأمم المتحدة كما حدث مع إسرائيل من قبل.
• • •
إن من حق كل دولة الاعتراف بالدولة الفلسطينية حيث إن هذا من مظاهر سيادة الدول ولا يحق لدولة أخرى أن تعترض على ذلك، ومن ثم فإن اعتراض إسرائيل أمر يخصها وحدها ولا يلزم أى دولة أخرى، كما أن اعتراض إسرائيل يخالف قبولها والتزامها بالقرار 181 للجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، وإنكار إسرائيل لهذا القرار الذى هو بمثابة شهادة ميلاد دولة إسرائيل يجعلها خارج إطار القرار، مما يقتضى إعادة النظر فى اعتراف المجتمع الدولى بها وبعضويتها فى الأمم المتحدة.
والحقيقة أن خوف إسرائيل من مجرد نية الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقبولها عضوا كاملا فى الأمم المتحدة يعنى إزالة العقبة الرئيسية بوقف أو تحييد الفيتو (الاعتراض) الأمريكى فى مجلس الأمن، ويحبط خطة الحكومة الإسرائيلية بعدم سماحها بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 4 يونيو 1967 ويجهض خطتها فى السيطرة على كل فلسطين التاريخية من البحر المتوسط إلى نهر الأردن كما تريد، هذا إذا صدقت واشنطن واعترفت بالدولة الفلسطينية وهو ما سيشجع الدول المترددة أو الممتنعة على اتباعها فى الاعتراف بالدولة الفلسطينية.