سماسرة المجلس الاستشارى
وائل قنديل
آخر تحديث:
الأربعاء 7 ديسمبر 2011 - 9:10 ص
بتوقيت القاهرة
أخطر ما يمكن أن يبتلى به مجتمع أن يصاب ضميره الأخلاقى بالعطب.. أو أن يصاب هذا الضمير بفيروس يجعله يعمل على سطر ويترك سطرا، ويتبدل حسب المواقف والأحوال، فيجعل الباطل حقا، والحق باطلا، وهنا يتحول الوطن إلى بورصة تنشط فيها أعمال السمسرة.
غير أن الكارثة تكون أكبر عندما يتحول من يفترض فيهم أنهم حماة الضمير وحراس المبادئ إلى وسطاء وسماسرة، ومن هؤلاء شخصية حقوقية وقانونية مرموقة قررت فى لحظة أن تتحول إلى بوق يهتف للمجلس العسكرى بالحق والباطل، وهذا حق لمن يريد تغيير مواقفه وتبديل قناعاته، لكن الذى ليس من حقه أن يستخدم هذه المهارات فى كتم صوت الحق واغتيال قيمة العدالة.
ولعل قصة الفتاة الصعيدية سميرة إبراهيم التى انتهكت آدميتها بتوقيع كشف العذرية عليها لدى اعتقالها قبل شهور، وما جرى معها وعليها من ضغوط شديدة الوطأ، وصلت إلى حد التهديد أحيانا، تصلح دليلا على انهيار قيمى مفاجئ أصاب رموزا كنا نظنها مخلصة لمبادئ العدل والكرامة الإنسانية.
القصة المؤسفة روتها سميرة إبراهيم فى حضور جمهرة من الناس فى ميدان التحرير، التف حولها مؤيدون لقضيتها، ووسط أم الثوار السيدة الجليلة شاهندة مقلد والكاتبة الكبيرة أهداف سويف والزميلة نور الهدى زكى وعدد من المثقفين المحترمين، وكشفت لأول مرة عن أن شخصية معروفة انتقلت مؤخرا من معسكر الثورة إلى معسكر تأييد المجلس اتصلت بها هاتفيا، ومارست عليها ضغوطا كثيرة كى تتنازل عن حقها فى مقاضاة الذين أهانوها وانتهكوا إنسانيتها فى معسكرات الاعتقال، وأخضعوها لكشف العذرية عنوة.
وسمعت سميرة من هذه السيدة ما لا يصدقه عقل، حيث بدأت بالنصح ثم سرعان ما انتقلت إلى تخوينها وتكفيرها وطنيا لأنها تطالب بحقها، ووصل بها الأمر إلى اتهامها بأنها عديمة الوطنية لأنها تصر على مقاضاة الضباط الذين أهدروا إنسانيتها، ما دفع الفتاة الصغيرة فى نهاية الأمر إلى الصراخ وإنهاء المكالمة.
ومصدر العجب هنا أن شخصية قضائية مرموقة عرف عنها نشاط سابق فى الدفاع عن حقوق الإنسان، لا تدرك أن كرامة الوطن تبدأ من كرامة المواطن، وأن وطنا لا يحترم حقوق أبنائه، وينتهك إنسانيتهم لا تستحق سلطته مهما كانت الدفاع عنها على هذا النحو المخجل.
وكم كنت أتمنى لو أن هذه الشخصية الكبيرة فعلت العكس، بأن تحاول الضغط على من بيدهم السلطة لكى يتنازلوا عن ملاحقتهم للنشطاء السياسيين ومطاردتهم للثوار والزج بهم فى السجون والمعتقلات.. غير أننا لم نسمع أن هذه السيدة التى ستقرأون اسمها قريبا ضمن قائمة أعضاء المجلس الاستشارى تدخلت أو أظهرت موقفا مماثلا فى قضية الشاب الثائر علاء عبدالفتاح مثلا، على اعتبار أن استمرار حبسه بهذا الشكل يسيئ إلى سمعة وطن خرج للتو من جراحة ثورية صفق لها العالم.
إن ما تحدثت عنه سميرة سيظل وصمة عار فى جبين من عبثوا بآدميتها، ومن دافع عنهم بالباطل متحججا بمصلحة الوطن العليا وسمعته.
wquandil@shorouknews.com