إرهاب النساء
نيفين مسعد
آخر تحديث:
الخميس 9 أغسطس 2018 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
صدر نهاية العام الماضي كتاب "النساء والإرهاب - دراسة چندرية" لكل من آمال قرامي أستاذة التعليم العالي بالجامعة التونسية ومنية العرفاوي الصحفية بجريدة الصباح التونسية، والكتاب عبارة عن سِفْر ضخم يقع في ٥٣٥ صفحة اشتركت المؤلفتان في كتابة مقدمته وخاتمته فيما كتبت العرفاوي اثنين من فصوله واضطلعت قرامي بكتابة الفصول الخمسة الأخرى. أهمية الكتاب في نظري تتجاوز أنه يركز على جانب قلما يهتم به دارسو ظاهرة العنف السياسي هو علاقة النساء بالعنف، فمع التسليم بأن دارسي العنف السياسي يفترضون ضمنيا أن الشخص العنيف عادة ما يكون رجلا، إلا أن تزايد حضور النساء (وعدد لا بأس منهن أجنبيات) في داخل التنظيمات الإرهابية حفّز الاهتمام بدراسة أبعاد الظاهرة عربيا وعالميا، وتأكد الأمر مع المآلات الدامية للربيع العربي في سوريا واليمن وليبيا، ومن هنا اغتنى الكتاب موضع العرض بحصيلة وفيرة من الكتب والدراسات والمقالات العربية والأجنبية التي تنتقل في تعاملها مع المرأة من كونها مُعّنفة إلى كونها عنيفة .
***
أهمية الكتاب في تقديري تنبع من أنه يدرس تأثير انضمام المرأة للتنظيمات الإرهابية على هياكل السلطة داخل هذه التنظيمات، بعبارة أخرى فإنه ينشغل بسؤال: هل مارست المرأة أدوارا قيادية داخل هذه التنظيمات وبالتالي غيرت من الهيراركية التقليدية للسلطة التي يتربع الرجال على قمتها؟ هذا السؤال يتسق مع المدخل الذي يستخدمه الكتاب في تحليل علاقة النساء بالإرهاب وهو مدخل الچندر المهتم بدراسة علاقات القوة بين الرجال والنساء، وهو مدخل قلما يُستَخدَم في دراسة الموضوع . وفي إجابته على السؤال المذكور يتوصل الكتاب إلى أنه بشكل عام لم تتأثر هياكل السلطة في التنظيمات الإرهابية بانضمام النساء لها إذ لم " تتغير النظرة الدونية إلى المرأة" وهي " ليست شريكا في المعارك التي تخوضها الجماعات الإرهابية، ولا يمكن أن تتبوأ منزلة هامة، وإنما هي عنصر مساعد يُوَظَف لحين ثم سرعان ما يعود إلى مكانته الطبيعية على الهامش" (ص ٢٧٥) . إشارة الاقتباس المذكور إلى أن النساء لسن شريكات في المعارك مقصود بها أن هذه المشاركة مؤقتة ومحدودة بهدف وليس أن هذه المشاركة غير موجودة أصلا ، فكما يشير الكتاب فإن النساء تتنوع صور مشاركتهن الفعلية في المعارك من الأعمال الانغماسية كما يسميها الإرهابيون بتفجير الأجساد مستخدمات الأحزمة الناسفة وما شابه، إلى القيام بأدوار وسيطة بالتجسس وتوصيل الرسائل وجمع الأموال والإعلام الإلكتروني( وهذا شائع جدا)، إلى الاقتصار على الدعم المعنوي بالحشد والمساندة فضلا عن جهاد النكاح. لكن رغم هذه المشاركة المتنوعة تظل النساء اللائي يملكن القدرة على التأثير في مسار التنظيمات قليلات العدد.
***
بطبيعة الحال من حق القارئ أن يتساءل هل ضاقت الدنيا بالمرأة حتى لا تجد سبيلا لتغيير توازنات القوة بينها وبين الرجل غير الانضمام للتنظيمات الإرهابية ؟ الإجابة نعم أحيانا تضيق الدنيا.. فبعض من شهادات الإرهابيات المقبوض عليهن خصوصا من النساء العربيات تفيد أنهن كن يبحثن عن "مساحة للتحرر وفرصة لاحتلال موقع"، وهذا نوع شاذ من التمكين لكنه موجود، تمكين ليس اقتصاديا ولا سياسيا لكنه تمكين إرهابي. وبالتالي فإن كشف حقيقة أوضاع النساء داخل التنظيمات الإرهابية والتوظيف السياسي والجنسي لهن كفيل بأن يحدد من عملية تجنيد المزيد منهن. بطبيعة الحال ليست كل النساء اللائي يدخلن التنظيمات الإرهابية طالبات تمكين، والكتاب يسهب في تعداد مبررات انضمام لتلك التنظيمات من أول الرغبة في التشبه بالصحابيات الأوائل مرورا بالرغبة في الزواج وتكوين أسر وانتهاء بالمال، لكن تفكيك المبررات والتعامل مع كل مبرر منها مهم لتفكيك الظاهرة الإرهابية نفسها .
***
آتي لمأخذي الأساسي على هذا الكتاب المهم، ومأخذي هو أن الكتاب تردد في تحديد مفهوم الإرهاب، فعلى حين بدا واعيا بالتمييز بين المقاومة الوطنية "عبر العمليات التفجيرية والانتحارية (فلسطين - لبنان )" وبين "المشاركة النسائية في الأعمال الإرهابية الموجهة للأنظمة القُطرية" (ص٥٠ )، فإنه عاد ليضع الكل في سلة واحدة بقوله "ويرى أنصار انخراط النساء في الجهاد المادي كحماس والقاعدة وجبهة النصرة أن الصحابيات مثلن خير أنموذج" (٦٦) . والواقع أن جَمْع الكتاب حماس مع القاعدة والنصرة لا يجوز حتى ولو جاء في سياق تحليل تبريرات كل منهم لإشراك النساء في العنف. ثم عاد الكتاب مرة أخرى ليقول إن استدلال داعش والنصرة بمشاركة حمسيات في "العمليات الاستشهادية" قد أحرج "عددا من القيادات في حركة حماس" (ص٦٧، ص٦٩) . وهذا يعني أن الكتاب يدرك حرص حماس على فك أي ارتباط بينها وبين الجماعات الإرهابية، لكن كما قلت بدا الكتاب مترددا تجاه هذا الأمر واستخدم وصف العمليات الانتحارية مرة والعمليات الاستشهادية مرة أخرى في وصف المقاومة المسلحة. واتصالا بمسألة الخلط هذه لم أرتح لوضع أسماء بعض الدعاة الجدد في إطار التحريض على التمرد الذي يقود آخر الأمر للإرهاب (ص١٠٤-١٠٥)، فهناك عشرات المآخذ على سلوك هؤلاء الدعاة والازدواجية ما بين خطاباتهم الدعوية وسلوكهم الشخصي، أما أنهم أول الطريق للإرهاب فهذا ما أشك فيه .
***
لقد اخترت زاوية واحدة في عرض هذا الكتاب القيّم الكبير لكن محتوياته بالتأكيد تحتاج إلى أكثر من عرض .