الاستقرار فى هذا البلد
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الثلاثاء 10 مايو 2016 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
الاستقرار صلب أى تطلع لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة وحسم الحرب مع الإرهاب وتثبيت الدولة على أرض صلبة والانتقال إلى المستقبل بثقة.
ككل تطلع جوهرى مماثل لا يمكن أن نصل إلى غاياته بإنكار أصوله وسبل الوصول إليه.
باسم الاستقرار قد يضرب الاستقرار.
يصعب الحديث الآن عن أى استقرار مطمئن والحوادث منذرة بتقلبات لا تحتملها مصر المنهكة.
فى ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية تساؤلات قلقة بلا إجابات مقنعة واحتجاجات غاضبة على التخلى عن جزيرتى «تيران» و«صنافير» قابلتها اعتقالات عشوائية من على المقاهى ومداهمات للبيوت بتهمة «النية فى التظاهر» ومصادرة شبه كاملة لأى خروج عن الرواية الرسمية بطلب الحق فى المعرفة.
سد قنوات الحوار العام لا يساعد على الاستقرار.
هناك فارق بين الاستقرار والسكون.
الأول، فعل اعتقاد.. والثانى، أثر خوف.
لا يمكن أن يتأسس استقرارا على خشية ملاحقة.
الأصل فى أى استقرار ضرورى أن تكون هناك دولة قانون تحمى وتطمئن وتحفظ السلامة العامة وفق قواعد لا أهواء، ودولة مؤسسات تعرف أدوارها ولا تتعداها، تلتزم الشرعية الدستورية ولا تتجاوزها.
إذا ما تجاوزنا الأصول القانونية فكل شىء محتمل.
أحد مداخل طلب الاستقرار الإفراج عن كل صاحب رأى محتجز خلف القضبان وإنهاء أزمة الدولة مع شبابها على ما تعهد الرئيس لمرات عديدة.
ما جرى فى نقابة الصحفيين دليل آخر على غياب أية قواعد وكل أصول.
لقد جرى اقتحامها باسم تنفيذ القانون دون مراعاة لأية إجراءات منصوص عليها فى القانون نفسه تقضى بضرورة حضور ممثل للنيابة العامة ونقيب الصحفيين أو من يمثله عند تفتيشها.
رغم أية أخطاء ارتكبت فإن الصحفيين كانوا ضحايا لا جناة، جرى التنكيل بحرمة نقابتهم وحصارها بمن يطلق عليهم «المواطنون الشرفاء» الذين أوغلوا فى الاعتداء اللفظى والبدنى تحت الحماية الكاملة.
غابت السياسة بصورة فادحة فى إدارة الأزمة وجرت «شيطنة الصحفيين» كأنهم يعادون الدولة والاستقرار إذا ما رفضوا أن يهانوا وتداس كراماتهم.
الحق فى الكبرياء المهنى مكفول لكل المؤسسات والهيئات والنقابات بما فيها «نقابة الرأى» الأولى والحق نفسه مكفول لكل مواطن بقوة الدستور.
فى استعداء النقابات واحدة إثر أخرى خروج عن مقتضيات طلب الاستقرار.
لا استقرار يتأسس على استعداء.
الاستعداء يهدم الجسور ولا يبنى دولة.
لا الصحفيون ولا أية جهة فى هذا البلد ينبغى أن يكونوا فوق القانون ولا على رءوسهم تيجان من الريش.
أخطر ما تجلى فى الأزمة غياب القواعد فى إدارة الدولة، والقواعد من ضرورات استقرارها.
وفى عودة الإرهاب إلى مقدمة المسرح الملتهب بأزمات وتشققات لا لزوم لها تساؤلات أخرى عن مواطن الخلل التى مكنت الإرهابيين من استهداف سيارة شرطة فى حلوان لا تحمل ما يدل على هوية من فيها.
أخطر الأسئلة: هل جرت العملية الإرهابية برصد لحركة القوة الأمنية، مواقيتها وسيرها، أم عن اختراق بحسب معلومات منشورة تحتاج إلى تأكيد.
الاحتمالان خطيران ويستدعيان مراجعة شاملة وإعادة نظر جذرية فى استراتيجية محاربة الإرهاب.
بين الثغرات السياسية والاجتماعية تكتسب المنظمات الإرهابية قدرات إضافية على التجنيد والتمركز وتوجيه الضربات النوعية من وقت لآخر.
وهذه مسئولية السياسة لا الأمن.
أيا ما كانت الإجابة على السؤال فإن استشهاد ثمانية من رجال الشرطة بوابل رصاص يقتضى حسما أكبر مع الإرهاب وتنظيماته وتماسكا وطنيا تسد ثغراته.
أى شماتة تخرج صاحبها من أحقية الانتساب إلى بلد يخوض معركة حياة أو موت، وهى عار كامل.
المواجهة موضوع تماسك وطنى ضرورى واستعداد للتضحية، فالذين لا يضحون لا يستحقون أى مستقبل.
التفلت الأمنى قضية أخرى.
فى التفلت نيل من قداسة الشهادة وإفساح مجال للوقوع بشراك الفساد كما جرى فى قضية «عصابة الدكش» التى تورط فيها بعض ضباط الشرطة بمحافظة القليوبية.
لا توجد مؤسسة من الملائكة، لا الصحفيون ولا ضباط الشرطة ولا غيرها، لا هنا ولا فى أى مكان آخر بالعالم.
المهم أن تكون هناك قواعد قانونية حديثة تحاسب وتصحح.
من مصلحة أى استقرار توافر القواعد الملزمة وإلا فإنها تصفية الحسابات على الهوى.
وهذه مسألة إصلاح تحتاجه مؤسسات الدولة المخربة تقريبا، بتعبير الرئيس نفسه.
بكلام أوضح الإصلاح من ضرورات الاستقرار حتى لا تتكرر أخطاء الماضى وندخل حلقة مفرغة تحيل مصر إلى دولة فاشلة تضربها الفوضى ويتقوض أمنها وينهار اقتصادها.
كما من مصلحة أى استقرار أن تكون هناك حلول دستورية لمعضلة الأمن والحرية، تدعم الأول بكل قوة دون تغول على الثانية.
دعم الأحرار أفضل ألف مرة من هتاف المتزلفين.
لعلنا لازلنا نتذكر أن طلب الاستقرار غلب أى طلب آخر بعد (٣٠) يونيو.
كان ذلك أمرا طبيعيا لمجتمع أنهكته تحولاته.
طلب الاستقرار بنى على أساس بناء دولة دستورية، مدنية ديمقراطية حديثة، لا على استعادة الماضى وتكرار أخطائه التى أغلقت القنوات السياسية والاجتماعية.
ولعلنا مازلنا نتذكر أن مفهوم الدولة المدنية ارتكز على استبعادين.
الأول، استبعاد الدولة الدينية التى تبدت بعمق مخاوفها أثناء فترة حكم الجماعة.
والثانى، استبعاد الدولة الأمنية التى أفضت إلى ثورة «يناير».
بكلام آخر، عودة الماضى مستحيلة كما أنها تناقض الشرعية الدستورية.
الأمن ضرورى لمجتمعه ودعمه بلا سقف واجب وطنى فى الحرب مع الإرهاب وإصلاحه وفق القواعد الدستورية تقويه ولا تضعفه.
بقدر ما نحتاج إلى الأمن بمعناه الحقيقى فإن غياب السياسة يضفى ظلالا كثيفة على الأداء العام كله.
لا نعرف بدقة توصيف الأزمة الاقتصادية، أسبابها وتداعياتها وسبل الخروج منها بلا تحميل للطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا تبعات أى إصلاح محتمل.
ولا يوجد توافق وطنى على ترتيب الأولويات، ولا وضوح فى السياسات التى تقود المشروعات.
هذا كله يستدعى حوارا عاما بلا حواجز وقيود.
رغم خطورة الأزمات الاستراتيجية والسياسية والنقابية فإن الأزمة الاقتصادية نقطة التفجير المحتملة.
إذا لم تنتبه الدولة لأهمية بناء توافقات واسعة بالحوار لا الإقصاء، فسوف يجد الأمن نفسه أمام تحديات عسيرة فوق طاقته.
أخطر ما يواجه الاستقرار الممكن أن تجتاح المجتمع تساؤلاته دون قدرة على الإجابة عليها باستثناء «نظريات المؤامرة» و«شيطنة» أى اجتهاد خارج السياق الرسمى.
آخر الأسئلة: هل ما جرى فى الرويعى بقلب العاصمة من حريق مدمر امتد لإحدى عشرة ساعة كاملة عن إهمال أم تعمد؟
السؤال مشروع بالنظر إلى حوادث مماثلة فى الوقت نفسه.
غياب الإجابة عن يقين يفسح المجال لشكوك تسحب من الثقة العامة فى القدرة على مواجهة الأزمات.
فى كل أزمة نحتاج إلى المكاشفة بأسبابها والإلمام بتداعياتها والعمل على تجنب أخطارها.
استقرار الدول يتأكد بالثقة العامة، بالاقتناع لا الخوف، بالتوافق لا الإقصاء.