إنذار قبل التعميم
فهمي هويدي
آخر تحديث:
الأربعاء 11 مارس 2009 - 7:51 م
بتوقيت القاهرة
حين طالعت الصحف المصرية بعد غيبة خمسة أيام عن البلد، لم يستوقفنى فى أخبارها الداخلية سوى الخبر الذى نشرته صحيفة «الشروق» فى(٣/٥)على صفحتها الأولى تحت العنوان التالى: حفلة تعذيب فى قسم شرطة أبو النمرس (مدينة تقع جنوب محافظة الجيزة). وفى تفاصيل الخبر أن رجلا وزوجته من أهالى محافظة المنيا يعملان حارسين لإحدى مزارع المواشى فى المدينة، اكتشفا ذات صباح فى (٢١ /٢) اختفاء بقرتين ونعجة وخروفين من المزرعة، التى سارع أصحابها إلى اتهامهما بالسرقة.
أمام إصرار الرجل (ياسر) وزوجته (جميلة) على النفى، فإن الأمر وصل إلى قسم شرطة المدينة. وهناك أمر معاون مباحث القسم (النقيب مدحت. ز ) بالقبض عليهما، وحرر لهما المحضر رقم 2235 لسنة 2009 ـ بل وأمر باحتجاز شقيقة الحارس وابنه البالغ من العمر ثمانى سنوات. بعد ذلك تطور الأمر على النحو التالى، كما جاء على لسان الزوجة فى بلاغ قدم إلى النائب العام ووزير الداخلية: قام معاون المباحث بهتك عرض زوجى فى حضور عدد من أفراد الأمن. حتى إنه أدخل عصا غليظة فى مؤخرته، ثم قام بعد ذلك بإدخال خرطوم مياه، وخيره بين استمرار تعذيبه وبين الاعتراف بالسرقة أو اتهام شخص على خلاف مع أصحاب المزرعة. وحين لم يستجب الزوج لهم، قام النقيب المذكور بصعقه بالكهرباء.
فى البلاغ أضافت الزوجة قائلة: بعد ذلك قام معاون المباحث وعدد من الأمناء بالاعتداء علينا بالسب والضرب، ثم أمرونى أنا وشقيقة زوجى بخلع جميع ملابسنا. وعندما رفضنا انهالوا علينا بالضرب، فامتثلنا ووقفنا عاريتين أمام المعاون وبعض الأمناء. وتم إحضار زوجى وطلبوا منه مجددا الاعتراف بالسرق، أو اغتصابى أنا وشقيقته أمام عينيه. فى تلك اللحظة انهار زوجى واعترف لهم بما يريدون، لننجو من الاغتصاب.
لا نعرف ما حدث بعد ذلك، وإنما نستطيع أن نتصوره، فضلا عن أن الأهم فى الموضوع هو الوقائع التى ذكرتها الزوجة المفجوعة. لكننا علمنا من الخبر المنشور أن مأمور قسم أبو النمرس استبعد أن يكون رجال المباحث قاموا بتلك الأفعال، وانصب تعليقه على الدفاع عن وزير الداخلية، حيث ذكر أن تعليماته «واضحة وصريحة، وتنص على عدم إجبار أحد على الاعتراف بارتكاب الجرائم. وإذا ما أصر أى متهم على البراءة. يتم تحرير محضر له ويحال إلى النيابة العامة لتتولى التحقيقات».
ما صدمنى ليس فقط التفاصيل التى وردت فى البلاغ، ولكن أيضا أن الخبر المنشور اعتبر حدثا عاديا تم تجاوزه فى اليوم التالى، ونسيانه مع نهاية الأسبوع. وإذ لا أشك فى أن السماوات اهتزت لبشاعة ما جرى، فإن أحدا لم تهتز له شعرة فى مصر. إذ لم أجد فى صحف الأيام التالية أن وزارة الداخلية كذبت الوقائع أو حققت فيها، ولم أجد أى صدى للحادثة لدى منظمات حقوق الإنسان، فيما هو معلن على الأقل. حتى المحرر المختص بـ«الشروق» لم يتابع تطورات الفضيحة.
لأن مشاهد القصة تتراءى أمام عيناى فى اليقظة، فى حين تحولت إلى كابوس يلاحقنى فى المنام، فلم أجد بدا من استعادتها ووضعها بين أيدى الجميع، علها تكون جرس إنذار ينبه إلى الحاصل ويحذر من الآتى. على الأقل قبل أن تعمم هذه الأساليب فى استنطاق المواطنين!