انقلابات آخر العام
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأحد 11 ديسمبر 2016 - 9:50 م
بتوقيت القاهرة
فى آخر العام تدافعت حوادث وانقلابات على مسارح الإقليم الأكثر اشتعالا بالنيران تومئ بتغييرات جوهرية فى قواعد الاشتباك وحسابات القوة والنفوذ.
وفى آخر العام تدافعت حوادث وانقلابات من نوع مختلف بقلب العالم الغربى تومئ بمقاربات جديدة لأزمات الإقليم ومستقبله.
على أبواب (٢٠١٧) فإن أكثر الأسئلة جوهرية: هل هو العام الذى يحسم فيه مصير الإقليم، دوله وخرائطه؟
الأرجح أنه عام الحسم.
هناك ما يشبه الحسم الميدانى فى معارك حلب وموازين السلاح ستكون لها الكلمة شبه الأخيرة فى الأزمة السورية.
وهناك حسم آخر متوقع فى معارك الموصل سوف يترتب عليه أوضاع جديدة لا يعرف أحد أين تقف تداعياتها ولا كيف يبدأ التفكيك المحتمل بعد انتهاء الحرب مع «داعش».
بأية حسابات على الأرض فإن سوريا والعراق لن يعودا كما كانا والخرائط جاهزة فى الأدراج تنتظر الصفقات الأخيرة.
وبأية حسابات فإن الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» هو الرابح الأكبر، فاستراتيجيته أثبتت فاعليتها وأغلب الأوراق السورية باتت فى عهدته، بالإضافة إلى أن حلفاءه فى العراق يتقدمون ميدانيا بدعم من السلاح الجوى الأمريكى!
لا يراهن على النوايا والكلام العام وكل نظره مصوب على تعاظم القوة الروسية فى الإقليم وخارجه.
بتلك النظرة العملية ينتظر تسلم الرئيس الأمريكى المنتخب «دونالد ترامب» مهامه يناير المقبل دون أن تستغرقه ذكريات الغزل المتبادل بينهما أثناء السباق الانتخابى إلى البيت الأبيض.
بأية درجة سوف يعدل «ترامب» من سياسات سلفه «باراك أوباما» فى إدارة أزمات الإقليم؟
وما حدود نفوذ البنتاجون والاستخبارات الأمريكية والكونجرس على قراراته وتحالفاته؟
وبأى قدر سوف تمضى علاقاته مع مصر دون توترات أو صدامات؟
القفز إلى استنتاجات مبكرة فى حالة رجل بمواصفات «ترامب» قد يكون خطأ فادحا.
كل شيء ينتظر الاختبار.
ذلك ما أدركه «بوتين»، فالقوة قبل التفاوض والحسابات قبل النوايا والسياسات قبل الرئاسات.
وهذا ما لا ندركه فى العالم العربى.
فى المسافة ما بين الرئيس والمؤسسة، الوعود قبل الانتخابات والحقائق على الأرض، من غير المستبعد أن تتخبط السياسة الأمريكية مجددا فى الإقليم فيما يقارب العشوائية.
التخبط فى إدارة العلاقات والمصالح مع مصر والسعودية والخليج وإيران وتركيا محتمل إلى أبعد حد.
التخبط المتوقع دعا رئيسة الوزراء البريطانية «تريزا ماى» إلى الحديث عن «ملء الفراغ»، التعبير نفسه استخدمه وزير الخارجية الأمريكية «جون فوستر دالاس» فى خمسينيات القرن الماضى بعد تراجع الدور البريطانى بأثر النتائج السياسية لحرب السويس، كأننا لم نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، فضلا عن أن طاقة بريطانيا لا تسمح لها بلعب مثل هذه الأدوار ولا التطلع إليها.
بريطانيا المأزومة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبى فى بنيتها الداخلية، واحتمالات انفصال أيرلندا وأسكتلندا تخيم عليها، غير مرشحة لأدوار إمبراطورية، لكن الأحوال الحالية للعالم العربى تغرى كل من يطلب أن يجرب حظه.
بالتزامن ــ مع ظاهرة«ترامب» ــ تتصاعد الشعبوية فى أوروبا ويتقدم اليمين المتطرف على نحو ينذر بتهديد خطير لقيم الحداثة والتنوير والتقدم والديمقراطية.
وتلك ظاهرة سلبية سوف تتنامى انعكاساتها على حسابات الإقليم عام (٢٠١٧)، فنحن لا نعيش وحدنا فى العالم.
بأثر صعود اليمين المتطرف فى ألمانيا تراجعت بالكامل المستشارة «إنجيلا ميركل» عن سياستها فى استقبال المهاجرين السوريين الفارين من الموت باسم الانتخابات النيابية التى تستعد لخوضها عام (٢٠١٧).
وبأثر صعود اليمين المتطرف فى فرنسا بعد العمليات الإرهابية المتكررة بقلب باريس تكاد أن تحصر المنافسة فى الانتخابات الرئاسية المقبلة (٢٠١٧) بين زعيمته «مارين لوبن» و«فرانسوا فيون» مرشحا عن اليمين التقليدى، ولا توجد فرص حقيقية لرئيس الوزراء المستقيل «مانويل فالس»، رغم أن أفكاره وبرامجه أميل إلى اليمين لا إلى اليسار الذى يتقدم للانتخابات باسمه.
وبأثر صعود مماثل فى إيطاليا خسر رئيس الوزراء «ماتيو رينزى» منصبه ومستقبله إثر هزيمته فى استفتاء شعبى على إصلاحات دستورية للنظام السياسى.
لم يكن التصويت بـ«لا» على التعديلات الدستورية المقترحة بقدر ما كان على «رينزى» نفسه.
بتعبيره: «مهمتى انتهت هنا».
شىء من ذلك المعنى تبدى فى إحجام «فرانسوا أولاند» عن الترشح لولاية ثانية للرئاسة الفرنسية.
وفق استطلاعات الرأى العام أدرك أن الفرنسيين لم يعودوا يريدونه فى قصر «الإليزيه».
وبأثر نفس الصعود فى بريطانيا خسر رئيس وزرائها السابق «ديفيد كاميرون» منصبه ومستقبله إثر خسارته استفتاء شعبيا دعا إليه على وجود بلاده فى الاتحاد الأوروبى.
«رينزى» و«كاميرون» لقيا المصير نفسه بسيناريوهين متقاربين.
القضية ليست تغيير الجياد، بقدر ما تكمن فى احتمالات تحول جذرى بالسياسات على نحو يقوض أية تطلعات لشراكة متكافئة وعلى أسس حديثة مع أوروبا.
بالنسبة لمصر فإنها خسرت حليفين قويين بتوقيت واحد، الرئيس الفرنسى ورئيس الوزراء الإيطالى. الأول مضى إلى نهاية الشوط فى الرهان المصرى.
عندما التقيته فى القاهرة بدا بسيطا بلا تكلف ومنفتحا بلا قيود وخياراته لا لبس فيها.
كان قصده من اللقاء مع شخصيات غير رسمية أن يقول للرأى العام الفرنسى إنه لم يتجاهل السجل المصرى فى الحريات العامة وحقوق الإنسان.
والثانى اضطرته أزمة مقتل الباحث الإيطالى «جوليو ريجينى» إلى تخفيض رهاناته على العلاقات مع مصر، لكنه حاول بقدر ما يستطيع ألا يصل إلى القطيعة.
فى عام (٢٠١٧) مستقبل أوروبا على المحك، والانقلابات سوف تأخذ حجمها فى صناديق الاقتراع.
فى كل السيناريوهات لا يمكن التعويل على أوروبا القلقة والمضطربة فى لعب أدوار مؤثرة عند رسم الخرائط الجديدة.
كما لا يعول على دعم إفريقى أو آسيوى للعالم العربى، فلا أحد يدعم آخر إلا إذا نهض بمسئوليته تجاه قضيته هو.
والصورة فى أمريكا اللاتينية غير مبشرة، فقد أهدرنا إرث التاريخ على نحو فادح.
عند رحيل «فيدل كاسترو» زعيم الثورة الكوبية، طرحت أسئلة جوهرية عن مستقبل اليسار اللاتينى ومدى ارتباطه بالقضايا العربية فى المحافل الدولية، خاصة أن الرئيس الحالى «راؤول كاسترو» أعلن أنه لن يجدد ولايته عام (٢٠١٨).
هل تحتفظ كوبا بإرثها الاشتراكى مع الانفتاح على القيم الديمقراطية.. أم تتقوض تجربتها المتقدمة فى معدلات الصحة والتعليم والبحث العلمى على نحو ما حدث فى بلدان أخرى مثل مصر؟
ثم إلى أى حد سوف تمضى موجة اليمين اللاتينى فى الإمساك بمقاليد الأمور فى القارة اللاتينية؟
لا توجد إجابات عربية على كل ما تحمله الانقلابات السياسية والاستراتيجية الجارية حولنا فى لحظة تقرير مصير.