حلال الأمريكيين وحرامهم
فهمي هويدي
آخر تحديث:
الأربعاء 14 مارس 2012 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
العرب مشغولون بالوضع المتدهور فى سوريا، ولا أحد يتحدث عن الوضع المتدهور فى غزة. غاضبون ومستاءون من القمع الوحشى الذى تمارسه قوات النظام السورى، وساكتون على الغارات التى تشنها إسرائيل على غزة وعلى الكارثة الإنسانية التى تهدد القطاع. حماسهم شديد للوقف الفورى والعاجل للحرب التى يشنها النظام السورى ضد شعبه بلا هوادة (العبارة وردت على لسان وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل يوم 11/3)، لكننا لم نسمع صوتا لأى مسئول عربى (استثنى بيان الجامعة و لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب) يطالب إسرائيل بالوقف الفورى والعاجل للحرب التى تشنها ضد الفلسطينيين فى غزة. وغاية ما بلغنا أن مصر ــ كما نشرت الصحف ــ تبذل جهدا لالتزام الطرفين بالتهدئة: القاتل والقتيل! وليت الأمر وقف عند ذلك الحد، لأن ثمة حماسا عربيا متزايدا ــ مؤيدا بحماس غربى مماثل ــ لتخصيص جلسة مجلس الأمن للمسألة السورية، وهناك دعوة عربية لإرسال قوات عربية ودولية لحماية الشعب السورى من انقضاض النظام عليه. ثم إن المرء لا يستطيع أن يخفى شعوره بالحيرة إزاء المطالبات التى صارت تتحدث عن تسليح المعارضة والجيش الحر فى سوريا، فى حين لا يجرؤ أحد على الحديث عن تسليح المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلى. وكأن النضال ضد استبداد النظام السورى هدف نبيل يتعين السعى لتحقيقه. أما النضال ضد الاحتلال الإسرائيلى بكل بشاعاته، حرام ومنكر يتعين الحذر من الوقوع فيه.
قبل أن أسترسل ألفت الانتباه إلى أمرين، الأول إن العرب الذى أعنيهم هم قادة الانظمة العربية الذين أصبح الملف السورى يستأثر بقدر كبير من اهتمامهم وتحركاتهم طوال الأشهر الأخيرة. الثانى إننى لست ضد التضامن مع الشعب السورى والجهود التى تبذل لتحريره من قبضة النظام القمعى الذى يتحكم فى مقدراته منذ أكثر من أربعين عاما، ولعلى عبرت عن ذلك التضامن فى كتابات سابقة. بالتالى فليس لدىّ أى تحفظ على مبدأ مساندة الشعب السورى وتأييد مطالبه فى الحرية والكرامة. ولكن التحفظ والاستياء من جانبى ينصب على تجاهل الوضع فى غزة والتسامح ولو بالصمت مع العدوان الوحشى الذى تمارسه إسرائيل على أهل القطاع، وهو الأكثر شراسة ووحشية مما يفعله النظام السورى مع مواطنيه. لذلك فالسؤال عندى ليس: لماذا التضامن مع الشعب السورى، وإنما هو على وجه الدقة لماذا فى نفس الوقت يتم تجاهل محنة الشعب الفلسطينى؟.. وتبرز أهمية السؤال إذا أدركنا أن الملف السورى شديد التعقيد، لأن النظام القائم هناك نجح فى إقامة شبكة علاقات استثمر فيها الأوراق الجيوسياسية والعرقية والطائفية، وأعطى انطباعا بأن سقوطه من شأنه أن يعيد تشكيل المنطقة ويقلب موازينها وخرائطها، فى مقابل ذلك فالموضوع الفلسطينى أكثر وضوحا لأننا بصدد احتلال للأرض وليس مطلوبا فى الوقت الراهن سوى إزالة ذلك الاحتلال وتحرير الشعب الفلسطينى من قبضته. ثم إنه إذا جاز لنا أن نقول إن إسقاط النظام السورى سيقلب خرائط المنطقة، فإن إنهاء الاحتلال من شأنه أن يحقق نتيجة عكسية تماما. ذلك أنه سيفتح الأبواب لاستقرار المنطقة وإعادة الهدوء إليها.
إذا حاولنا الإجابة عن السؤال: لماذا التضامن مع طرف وتجاهل الطرف الآخر، فربما عنَّ لنا أن نقول إن القضية الفلسطينية تراجعت أهميتها فى الأولويات العربية لأسباب سبق أن تحدثت عنها. وقد يقول قائل إن الوجع الفلسطينى لم يعد فيه جديد أو مثير، حيث اعتاد الناس عليه. وكما لم يعد الناس يفزعون لمسلسل القتل فى العراق أو أفغانستان الذى صارت وقائعه أحداثا يومية ألفوها حتى لم تعد تحرك شيئا من مشاعرهم، فأولى بذلك الاعتياد أن يحدث مع القضية الفلسطينية. ذلك أن عمر القتل فى العراق وأفغانستان فى حدود عشر سنوات، فى حين أن محنة الشعب الفلسطينى تجاوز عمرها ستين عاما على الأقل. إلا أن هذه الحجة لا تبدو مقنعة، لأننا لا نتحدث عن أحداث تاريخية تآكلت فى الذاكرة، ولكننا فى فلسطين بصدد كارثة مستمرة بصفة يومية وقتل يتجدد يوما بعد يوم. الأمر الذى يعد السكوت فيه مسكونا يشبهه التستر والتواطؤ. واستحى أن أقول إن مصر ــ الشقيقة الكبرى ــ لها من ذلك الاتهام نصيب. وهو ليس مقصورا على مرحلة الرئيس السابق فقط، ولكن تلك الشبهة لاتزال قائمة بعد ثورة 25 يناير التى أسقطت نظام مبارك. والموقف السلبى للسلطات المصرية إزاء تزويد قطاع غزة بالتيار الكهربائى شاهد على ذلك.ثمة إجابة أخرى على السؤال تبدو أكثر قوة وإقناعا وهى أن الحماس للتضامن مع الشعب السورى وفتور ذلك الحماس أو انعدامه إزاء الحاصل فى غزة محكوم بحدود وضغوط السياسة الأمريكية المؤثرة فى القرار العربى. وموقف الإدارة الأمريكية إزاء سوريا معروف وحماسها لإسقاط النظام هناك لا شبهة فيه. أما موقفها المعادى للشعب الفلسطينى فقد تباهى به الرئيس أوباما فى أحدث خطبة له أمام مؤتمر منظمة «إيباك» فى واشنطن.
لقد تمنيت ألا تكون تلك إجابة على السؤال، لأننى أتمنى من كل قلبى أن تكون مجرد سؤال يستدعيه التفكير فى السؤال.