أزمة الاحتياطى الأجنبى.. لماذا الاستدانة «لما الحل فى المحروسة؟»

شيرين عبد الرءوف القاضى
شيرين عبد الرءوف القاضى

آخر تحديث: الأحد 13 نوفمبر 2011 - 10:10 ص بتوقيت القاهرة

من الواضح أن أزمة السيولة اشتدت فى الجهاز الحكومى نتيجة قلة التدبير فى كبح جماح الإنفاق الحكومى والعجز المتزايد فى الموازنة، مما أدى إلى لجوء الحكومة بالضغط على السيولة المحلية بالجنيه المصرى وزيادة الاستدانة من الجهاز المصرفى من خلال أذون خزانة مما كان له الأثر البالغ فى رفع أسعار الفائدة. وكما ذكرت فى مقالة سابقة أن أسباب نقص السيولة بالجنيه المصرى فى الجهاز المصرفى سببان اثنان لا غيرهما:

 

السبب الأول كان خروج أموال الأجانب بعد الثورة بما يعادل 14 إلى 15 مليار دولار (أهمها جزء من استثماراتهم فى البورصة والجزء الآخر من أرصدتهم فى أذون خزانة) مما أدى إلى نقص ما يعادلها بحوالى 85 مليار جنيه من السيولة المحلية آلت إلى البنك المركزى مقابل الدولار. ولكن البنك المركزى لم يعدها إلى السوق وإلا تسبّب فى أثر تضخمى نتيجة طبع نقود لا يقابلها غطاء نقدى بالعملة الأجنبية. والسبب الثانى هو انفلات الإنفاق الحكومى بعد الثورة مما أدى إلى زيادة العجز فى الموازنة بوتيرة فوق المعتاد مقارنة بالسنوات السابقة.

 

وكما تعلم عزيزى القارئ فلقد حسم المشير طنطاوى موقفه منذ توليه مسئولية البلاد بعد الثورة ورفض أن تستدين الدولة من صندوق النقد الدولى نظرا لشروطهم. وأعتقد أن ما استند عليه قرار المشير هو أن حالة خروج أموال المستثمرين من البورصة وغيرها وكذلك انخفاض دخل السياحة يعتبران حالة عرضية وسيعودان فور استقرار البلاد، بالإضافة إلى الاستثمارات المباشرة بالعملة الأجنبية التى قد تتدفق فى وقت لاحق بعد عبور المرحلة الانتقالية واتضاح الرؤية والسياسة المسقبلية للبلاد وخاصة أن الاحتياطى الأجنبى للدولة كان فى مستوى يسمح بالصمود تجاه الأزمة الراهنة.

 

 ومن جانب آخر فإن قرار المشير أخذ فى الأعتبار أيضا حجم أجمالى الدين العام الذى بلغ مستوى يستدعى الحذر. وكنا ننتظر من الحكومة فى المقابل ترشيد الإنفاق والتقشف التام، ولكنهم وللأسف عجزوا عن السيطرة لعجز الموازنة او وجود حلول محلية مؤقتة ومازالوا يصرون على محاولة إقناع المشير بالاقتراض من الخارج من خلال تصريحاتهم وتبريرات عديدة غير مقنعة تدل على قلة الخبرة الاقتصادية والمالية فى إدارة الأزمة. علما بأن الحلول لزيادة الأحتياطى الأجنبى متاحة داخليا ولكنهم أصيبوا بالذعر والشلل.

وقبل أن أقدم أقتراحات أود أن نستعرض معا عزيزى القارئ بيانات السيولة المتوافرة بالعملة الأجنبية فى الجهاز المصرفى وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن البنك الركزى.

 

 فيشير الجدول أدناه إلى أن نجد أجمالى السيولة بالعملة الأجنبية قد قفز بنسبة 11% منذ اندلاع الثورة ــ ليصل إلى ما يعادل 235.2 مليار جنيه أى 40 مليار دولار تقريبا ــ وهى نسبة مرتفعة إذا قارناها بسنوات سابقة على الثورة، مما يعنى اننا نمر بحالة دولرة مؤقتة.

 

 الا أنه ما يهمنا هنا أن نستخلص توافر العملة الأجنبية داخليا لكى تفى بالغرض المنشود وهو زيادة الاحتياطى الأجنبى.

وبناء عليه أقدم لك اليوم عزيزى القارئ وأقدم أيضا للسيد المشير اقتراحين لحلول داخلية لإنقاذ الاحتياطى الأجنبى وزيادته مما سيتيح من خلال أحدهما خلق سيولة محلية إضافية بالجنيه المصرى فى المقابل والتى تمثل أزمة للحكومة فى الوقت الراهن.

 

 فالقاعدة التى علينا أن نتذكرها دائما هى أن أى دولار زيادة فى الاحتياطى الأجنبى يسمح لنا بطبع جنيه مصرى فى المقابل والعكس صحيح.

 

الاقتراح الأول: يمكننا الاستدانة من الداخل مبلغا وقدره 5 مليارات دولار وقابل للتنفيذ إذا طرحت الحكومة سندات دولارية لمدة ثلاث أو خمس سنوات بفائدة 5 % على سبيل المثال يكتتب فيها جميع الأفراد والمؤسسات المحلية. فالأكيد سيقبل المودعين المحليين على شراء هذه السندات الدولارية نظرا لأنهم لا يحصلون على عائد مجدٍ لودائعهم بالعملة الأجنبية لدى البنوك والتى لا تصل إلى 1% حاليا.

 

 وفى حالة نجاح الطرح فتكون الحكومة قد حصلت على 5 مليار دولار تضاف إلى رصيد الاحتياطى الأجنبى وبالتالى يسمح للبنك المركزى بطبع ما يعادل 30 مليار جنيه تقريبا يسدد بها جزء من مديونية الحكومة مما سيكون له الأثر فى تقليل الضغط على سيولة البنوك وانخفاض الفائدة. ولكن هذا الاقتراح لن يحل مشكلة الدين العام الذى سيتزايد بالرغم من الاستدانة من الداخل من خلال السندات.

 

أما الاقتراح الثانى وهو الذى أحبذه من وجهة نظرى ويعتبر قرارا اقتصاديا وماليا ثوريا ومؤقتا على النحو التالى:

 

فكما تشير البيانات فى الجدول المشار اليه أعلاه نلاحظ أن نسبة زيادة الودائع بالعملات الأجنبية للحكومة والهيئات الأقتصادية وقطاع الأعمال العام كانت بواقع 12.3 % والتى وصلت إلى ما يعادل 60 مليار جنيه بالعملات الأجنبية أى 10 مليارات دولار تقريبا، وهى نسبة مرتفعة مقارنة بسنة سابقة والتى نمت فيها بواقع 2،5% فقط.

 

أى أن الحكومة تقوم بنفسها بتكنيز الدولار هى الأخرى أسوة بالقطاع العائلى والقطاع الخاص. طيب بالذمة ده كلام ؟. هى نقصاكى أنتى كمان يا حكومة؟ فممكن لنا أن نتفهم تخوف القطاع العائلى والقطاع الخاص ودوافعهم فى تكنيز الدولار فى هذه الأوقات العصيبة. ولكن من غير المعقول أن يكون سلوك الجهات الحكومية شبيه بالمواطن العادى.

 

وبناء عليه اقترح أن يصدر المشير قرار للحكومة والهيئات الحكومية والهيئات الإقتصادية وقطاع الأعمال العام بالتخلص من 50 % من مدخراتهم الدولارية (حاليا 10 مليار دولار) وبيعها فورا إلى البنك المركزى مقابل جنيه مصرى مما سيزيد رصيد الاحتياطى الأجنبى تلقائيا وسيتيح للبنك المركزى بأن يعيد للسيولة المحلية 30 مليار جنيه إلى الجهات الحكومية فى شكل ودائع لدى الجهاز المصرفى لما سيكون له أثر بالغ الأهمية من تخفيض الدين العام وكذلك تخفيض أعباء الدين، بل أيضا سيساعد على تقليل الضغط على أسعار الفائدة السائدة.

 

إدارة اقتصاد البلاد والشئون المالية فن وهندسة، والحل حدانا فى المحروسة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved