الانفجار المحتمل فى الشرق الأوسط
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأربعاء 15 يونيو 2022 - 10:25 م
بتوقيت القاهرة
فى أوضاع قلقة يتقوض فيها النظام الدولى دون أن تستبين حقائق القوة الجديدة، التى قد تتبدى بعد انقضاء الحرب الأوكرانية، نشأت مخاوف واسعة من انفجارين آخرين محتملين، أحدهما ــ بالقرب من الصين حول مصير «تايوان»، وثانيهما ــ هنا فى الشرق الأوسط بذريعة بناء تحالف عسكرى إقليمى تقوده رمزيا الولايات المتحدة وتقوده فعليا إسرائيل لمواجهة ما يطلق عليه «العدو الإيرانى» المشترك.
الانفجاران المحتملان ماثلان بدرجتين مختلفتين فى المشهدين الدولى والإقليمى المحتقنين.
فى الحالة الأولى، فهو شبه مستبعد بموازين القوى، التى لا تسمح بأية مغامرات من مثل هذا النوع.
فى الحالة الثانية، فإنه ممكن دون أن يكون مؤكدا رهانا على دور إسرائيلى فى حماية دول الخليج من أية تهديدات إيرانية واقعية ومتخيلة.
فى الانفجارين المحتملين يتحمل الرئيس الأمريكى «جو بايدن» مسئولية التصعيد إلى حدود تشبه إعلان الحرب.
أثناء جولته الآسيوية لإحكام الحصار على الصين فى محيطها الاستراتيجى المباشر لوح باستخدام القوة إذا ما فكرت الصين فى ضم «تايوان» بالغزو المسلح على النحو الذى اتبعته روسيا فى أوكرانيا.
بدا لوهلة خيار الحرب الأمريكية الصينية ماثلا غير أنه سرعان ما تراجع فى اليوم التالى بتأكيد الخارجية الأمريكية على ثبات سياساتها التى يطلق عليها «صين واحدة»، كان ذلك تصحيحا لتعبير متفلت من الرئيس الأمريكى.
الحقائق الكبرى قالت كلمتها، لا حرب مع الصين، فالأثمان مرعبة بصورة لا تحتمل.
حصار الصين سياسيا واستراتيجيا ومنع أى احتمال أن يضمها أى تحالف راسخ مع روسيا شىء والتورط فى الحرب معها شىء آخر تماما.
بقوة الحقائق على الأرض لم تنجح العقوبات الأمريكية والأوروبية غير المسبوقة فى فرض الهزيمة على موسكو، أو اصطيادها فى المستنقع الأوكرانى بإمدادات السلاح، التى تدفقت على أوكرانيا فيما يشبه الحرب بالوكالة.
لا روسيا أذلت ولا الغرب انتصر والحرب مفتوحة لآماد طويلة أخرى قد تكلف العالم أزمات أفدح فى الغذاء والطاقة والاستقرار الدولى.
إذا ما جرى اشتباك عسكرى أمريكى بصيغة أو أخرى، مباشر أو غير مباشر، مع التنين الصينى بقوته الاقتصادية والعسكرية الفائقة فإن مصيرا أسوأ سوف يحدث بما لا يقاس مع الحرب الأوكرانية.
لا العالم يحتمل ولا أمريكا تقدر على التحمل.
الوضع يختلف فى الشرق الأوسط، احتمالات التصعيد العسكرى ترتفع وتيرتها دون شبه روادع من العالم العربى على أية درجة أو بأى قدر!
هذه مأساة كاملة غير أن قوة الحقائق التاريخية والجغرافية والإنسانية تمنع مثل هذه الألعاب من أن تمضى فى طريقها إلى نهايته بالسهولة التى يتوهمونها.
قبل أن يغادر «بايدن» منتصف شهر يوليو قادما إلى الشرق الأوسط فى جولة تتضمن زيارة إسرائيل والأراضى الفلسطينية المحتلة وعقد قمة فى جدة مع تسع دول عربية، دول الخليج بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، صدرت عن واشنطن إشارات عديدة أكدت بإلحاح لافت التزامها بأمن إسرائيل، وهذا كلام لا جديد فيه.
الجديد والخطير تعهدها المسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلى «نفتالى بينيت»، كما كشف بنفسه، بإدماج إسرائيل فى الإقليم، أو توسيع نطاق التعاون الاقتصادى والأمنى والعسكرى معها والتقدم بخطى نوعية جديدة فى التطبيع المجانى دون أدنى التزام بأية انسحابات إسرائيلية من الأراضى العربية المحتلة باستثناء ما قد يكرره «بايدن» فى رام الله عن الالتزام بحل الدولتين دون فعل أى شىء له قيمة يعتد بها، ولا ممارسة أى ضغط على حكومة «بينيت» لتقديم قتلة الصحفية الفلسطينية «شيرين أبو عاقلة» إلى العدالة.
ما قد يجنيه العرب عبارات فى الفراغ وما قد يجنيه الإسرائيليون أفعال على الأرض.
فى الجولة المرتقبة تبدو واشنطن مستعدة لتبنى المشروع الإسرائيلى لبناء قوة إقليمية، تحالف أمنى وعسكرى، بذريعة التصدى لـ«الخطر الإيرانى» المفترض وحماية أمن الخليج، فيما هى واقعيا تحتاج إلى من يحميها!
مشكلة واشنطن ــ هنا ــ أن أزمة الطاقة المتفاقمة على خلفية الصراع مع روسيا هى جوهر زيارته الشرق أوسطية لا مشروعات إسرائيل للتمدد والتوسع والتطبيع، لكنها لا تمانع فى أن تتماشى مع الأهداف الإسرائيلية إذا ما كانت دولا بترولية وغير بترولية موافقة ومستعدة!
باليقين فإنها لا تريد حربا واسعة فى الشرق الأوسط تتورط فيها، لكنها لا تمانع فى ترؤس شكليا الحلف العسكرى المقترح على أن تترك قيادته الواقعية إلى إسرائيل لرفع العتب والحرج عن الدول العربية التى قد تشارك فيه!
لا تريد إنهاء «مباحثات فيينا» الماراثونية لإحياء الاتفاق النووى مع إيران، التى جمده الرئيس السابق «دونالد ترامب» من طرف واحد لكنها تخشى أن تبدو فى وضع المهزوم دبلوماسيا.
هناك فارق بين مناوشات التفاوض والتوجه إلى الحرب.
هناك شد وجذب ومناورات معلنة وغير معلنة تستبق أية تفاهمات ممكنة، على ما يجرى بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والسلطات الإيرانية، شبه قطيعة أحيانا تلحقها دعوات لمواصلة التفاوض.
خضوع الوكالة الدولية للإرادات الغربية شبه مؤكد، وتداخل إسرائيل فى الملف بإمداد الوكالة بالمعلومات الاستخباراتية بدوره شبه مؤكد.
ليست هناك مشكلة حقيقية فى إعلان إحياء الاتفاق النووى، كل شىء تقريبا متفق عليه بين الأطراف المشاركة فى «مباحثات فيينا».
المشكلة فيما بعد إحياء الاتفاق، أو ترتيبات وحسابات القوة فى الإقليم التى تتبع رفع العقوبات الأمريكية عن إيران.
الصراع على إيران نفسها، سياساتها وأدوارها الإقليمية وطبيعة علاقتها مع إسرائيل.
هذا هو صلب الموقف الآن.
إسرائيل تحاول أن تقتنص اللحظة وتطرح نفسها عنوانا رئيسيا فى أى اتفاق محتمل، وهذا ما لا يمكن أن تقبل به إيران.
إثارة الخوف من الخطر الإيرانى هو العنصر الرئيسى فى مشروع بناء التحالف العسكرى المزمع، إسرائيل مهددة فى وجودها، وإيران على وشك ان تحوز سلاحا نوويا خلال أسابيع.
الخوف والقوة معا فى خطاب أمنى واحد.
ذهب «بينيت» إلى إثارة تخويف من أن هناك خلايا إيرانية مسلحة قد تستهدف إسرائيليين فى تركيا عسكريين وسياحا، بالأخص فى إسطنبول، داعيا إلى عودتهم دون إبطاء مؤكدا فى الوقت نفسه على قوة إسرائيل فى حفظ أمن مواطنيها بكل مكان فى العالم!
كان ذلك التحذير استهدافا مبطنا لأى تفاهم محتمل الآن، أو فى المستقبل، بين إيران وتركيا.
إنها محاولة ابتزاز لتركيا الطموحة فى لعب دور أكبر فى حسابات الإقليم بأثر ما تلعبه من وساطات مع موسكو لصالح حلف «الناتو» فى الحرب الأوكرانية تحت الضغط الشديد، إما إسرائيل أو إيران، إما أن تلعب أنقرة بموافقتها دورا متعاظما فى الإقليم، أو أن تجد نفسها محاصرة فى الخندق الإيرانى!
هذه حسابات مغرقة فى أوهامها.
بذات الأوهام فقد يخيل إليها أنها فى وضع سياسى واستراتيجى جديد يمكنها بالابتزاز الاقتصادى بناء تحالف عسكرى أكثر اتساعا من دول الخليج، كأن تبدو وسيطا مسموع الكلمة فى الخليج وحساباته الأمنية الحالية والمستجدة لتوجيه استثماراته وفوائض أمواله إلى مصر والأردن والعراق!
المشكلة الكبرى فى القصة كلها أنه يستحيل القفز فوق القضية الفلسطينية بالتجاهل أو باستعراضات السلاح أو باصطناع الأعداء الافتراضيين، فالأثمان السياسية لا تحتمل فى دول مثل مصر والأردن والعراق، التى سوف يتهدد أمنها القومى بفداحة غير متصورة.
أخطر ما قد يترتب على مشروع التحالف العسكرى أن الانفجارات سوف تضرب الشرق الأوسط كله، دوله ونظمه وشعوبه، ولا يبقى حجرا على حجر.
هذا ما تريده إسرائيل بالضبط، لكنها سوف تدفع أثمانا مضاعفة.