السلام الجائر فى فلسطين
أشرف البربرى
آخر تحديث:
الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 9:55 م
بتوقيت القاهرة
الاصطفاف الغربى غير المسبوق وراء إسرائيل فى حربها المجرمة ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة حاليا لا يستهدف فقط مساندتها فى مواجهة مئات وربما عدة آلاف من المقاتلين الفلسطينيين الذين يسعون إلى تحرير أرضهم من الاحتلال الإسرائيلى، وإنما يستهدف تصفية القضية الفلسطينية كلها وفرض السلام الجائر القائم على القهر وإذلال الشعب الفلسطينى ومعه الشعوب العربية كلها.
ونظرة سريعة لكتابات ومواقف صناع السياسة الأمريكية وكبار المسئولين فى إدارة الرئيس جو بايدن ستؤكد أن الغرب قرر طى صفحة البحث عن السلام العادل كحل للقضية الفلسطينية وبدء مرحلة فرض السلام الجائر على العرب والفلسطينيين فى ظل المجازر الإسرائيلية وآخرها ما تم فى المستشفى العربى الأهلى المعمدانى فى غزة.
ففى بيان رسمى صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى الذى يضم نخبة من المفكرين والمسئولين الأمريكيين السابقين تعليقا على الحرب الدائرة فى قطاع غزة، دعا المعهد إلى ضرورة منح الحرية المطلقة لإسرائيل لاستخدام كل ترسانتها العسكرية ضد الفلسطينيين بدعوى «أن التقدم نحو السلام العربى الإسرائيلى يقوم على أساس إدراك قوة الردع الإسرائيلية والأمريكية، وتآكل هذه القوة سيجعل السلام أقل احتمالا. لذلك فإن استعادة القوة والقدرة على الردع هو شرط مسبق وأساسى لعودة عملية السلام بين العرب وإسرائيل».
بيان المعهد لم يتطرق إلى أى تسوية للصراع تضمن الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطينى، لكنه أشار إلى أن الدول العربية باتت مستعدة للتطبيع مع إسرائيل وإقامة سلام معها دون حاجة لأى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.
أما الكاتب الأمريكى البارز توماس فريدمان فقال فى مقال بصحيفة نيويورك تايمز إن السبب الحقيقى وراء العملية العسكرية الكبيرة لحركة حماس الفلسطينية أنها رأت تزايد قبول الدول العربية لوجود إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وليس الاحتلال الإسرائيلى للأراضى المحتلة ولا الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى ولا سياسات وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى إيتمار بن غفير ضد الفلسطينيين، وبالتالى لا يجب السماح لحماس بتحقيق هدفها وعرقلة التطبيع العربى الإسرائيلى.
إذن من غير المعقول تصور أن مواجهة المقاومة الفلسطينية محدودة العدد والتسليح يحتاج إلى نشر حاملتى طائرات أمريكيتين فى المنطقة وتشغيل جسر جوى لنقل السلاح من أمريكا إلى إسرائيل، بل وتسابق الدول الأوروبية على تقديم الدعم المادى والعسكرى لتل أبيب.
فى الوقت نفسه لم يتطرق أى تصريح غربى ولو حتى من باب ذر الرماد فى العيون إلى حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة، وأقصى ما تحدثت عنه الدول الغربية هو مطالبة إسرائيل وعلى استحياء بإدخال بعض المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة الذى حولته إسرائيل ليس إلى سجن جماعى وإنما مقبرة جماعية تضم نحو 2.2 مليون فلسطينى ينتظرون دورهم فى الموت سواء بالقنابل الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية أو بالجوع والعطش تحت سمع وبصر دول العالم وفى المقدمة منهم، للأسف، بعض الدول العربية.
وفى حين تتبجح حكومات الغرب فى دفاعها عن إسرائيل وانحيازها لها وتتحدث بأعلى صوت عن قتل الأبرياء والمدنيين الإسرائيليين، يتكلم بعض العرب باستحياء عن الضحايا الفلسطينيين وحقهم فى المساعدات الإنسانية، دون أن يواجهوا المسئولين الغربيين بالحقيقة الجلية وهى أن المقاومة الفلسطينية لم تقتل مدنيين إسرائيليين فى عملية السابع من أكتوبر وإنما قتلت إما عسكريين أو مستوطنين مسلحين محتلين يعيشون فى مستوطنات غير مشروعة وفقا للقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة. فى غلاف غزة.
ويجب أن يعلم الغرب أن قصف المقاومة للمدن الإسرائيلية جاء ردا على القصف الكثيف والعشوائى الإسرائيلى للأحياء السكنية فى غزة، ولا يجب أن يتجاهل الكثير من العرب الحديث عن أن المقاومة المسلحة حق للشعب الفلسطينى تكفله القوانين الدولية والقيم الإنسانية ما دامت إسرائيل مصرة على استمرار احتلال أرضه وحرمانه من أبسط حقوقه.
أخيرا فإن قبول بعض الحكومات العربية بفرض السلام الغربى الجائر على الشعب الفلسطينى لن يحقق لها ولا لغيرها الاستقرار والأمن وإنما سيحول ملايين الفلسطينيين المقهورين إلى قنابل موقوتة تنفجر فى وجه الجميع.