أهداف وتوقعات حول زيارة أوباما للشرق الأوسط

نبيل فهمي
نبيل فهمي

آخر تحديث: الثلاثاء 19 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

لا يتحرك الرئيس الأمريكى خارج البلاد إلا لأهداف واضحة، وحاملاً رسائل محددة، فزار المرشح الرئاسى أوباما إسرائيل للحصول على الأصوات خلال حملته الأولى ضد ماكين، وتوقف بالأردن باعتبارها دولة عربية صديقة وغير مكلفة له سياسياً فى الساحة الأمريكية، إلا أنه اختار القاهرة لإلقاء رسالته للعالم الإسلامى بعد انتخابه، لثقل مصر واتساع منبرها، بالرغم من أنها كانت على وشك الدخول فى مرحلة انتقالية حتى قبل الثورة فى 2011، وهو الآن على وشك زيارة إسرائيل، التى لم يزرها خلال ولايته الأولى، كنقطة ارتكاز واهتمام رئيسى يقضى فيها ثلاثة أيام، والسلطة الفلسطينية والأردن دون التوقف فى مصر، فما هى الأهداف والرسائل الأمريكية من هذه الجولة.

 

•••

 

وصف المتحدث الرسمى الأمريكى الزيارة بأنها جولة استماع، وهو تصريح نمطى عقيم يعكس النصف الأقل أهمية للحقيقة، فهناك هدفان رئيسيان، وهما تقدير الموقف فى كيفية التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، بقضاياها وأزماتها ومبادراتها، وتحديد سبل التعاون معها خلال ولايته الثانية، والتى ستحدد موقعه فى التاريخ، فرغم أن أوباما أعلن عن نيته فى التوجه شرقاً نحو آسيا، فيعلم جيداً أن الشرق الأوسط فاجأ كل رؤساء الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، بالحروب والسلام، وفرض نفسه على الأجندة السياسية الأمريكية.

 

                أما السبب الثانى للزيارة والأهم، فهو أن الشرق الأوسط العربى فى مرحلة تغيير، بما يؤثر على أسلوب تعامل الولايات المتحدة فى العالم العربى، وعلى مصالحها، فضلاً عن أن هناك تحولات تكنولوجية عالمية عسكرية وسلمية تؤثر فى أنظمة التسلح وتوفر مصادر هائلة للطاقة على السواحل الأمريكية مما سيغير تدريجياً، وإنما حتماً، من تعريف الأمن القومى الأمريكى وارتباطه بالخليج العربى والشرق الأوسط، مما يتطلب التحاور مع العرب وإسرائيل وإيران وتركيا، لإدارة المرحلة الانتقالية والجديدة بالمنطقة بحنكة، ودون أزمات كبرى تؤثر على المصالح الأمريكية.

 

•••

 

يتوقف أوباما فى إسرائيل وفى ذهنه أربع مهام رئيسية، منها إدارة العلاقات الشخصية الفاترة بين أوباما ونتنياهو منذ زيارة الأخير للولايات المتحدة ورفض إسرائيل وقف الاستيطان فى الضفة الغربية، ولعل وصف أوباما الإيجابى لعلاقته بنتنياهو أكبر دليل على برود تلك العلاقة، حينما ذكر أن «العلاقة بينهما ممتازة مثل تلك التى تسود كبار المسئولين فى عالم رجال الأعمال، والذى يعنى أنها علاقة مصالح دون الإشارة إلى العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وسيسعى أوباما لقياس تصورات نتنياهو وطموحاته وضبط إيقاعه، والوصول إلى تفاهم وآليات تسمح لإسرائيل بالاستمرار فى مواجهة ما يعتبرونه إرهابا إسلاميا، دون الدخول فى مواجهة مع التيارات العربية الإسلامية السياسية، طالما ظلت سلمية، وسيدفع نتنياهو لمحاولة الاستفادة من التيارات الإسلامية الوسطية لضبط الإيقاع الأكثر تطرفاً، وهناك بوادر اتفاق ضمنى مع مصر على أساس التعاون الأمنى عبر الحدود مقابل عدم إحراج مصر أكثر من اللازم مرحلياً فيما يتعلق بتطوير العلاقات السياسية، وهناك أيضاً الساحة السورية المضطربة، خاصةً مع تنامى التيار الإسلامى المتشدد ضمن المعارضة.

 

                وستظل الولايات المتحدة منحازة لإسرائيل، وإنما أعتقد أن أوباما مقتنع بعدالة الموقف الفلسطينى وضرورة حل النزاع على أساس دولتين، وإنما تراودنى شكوك كثيرة عن استعداده لتحمل الثمن السياسى الضرورى لممارسة الضغط اللازم على إسرائيل لتحقيق نتيجة، وقد أعرب جون كيرى خلال زيارته الأخيرة عن قناعته بأهمية الانتقال من الممارسات العقيمة السابقة التى انتهت إلى مفاوضات بدون هدف وحركة بدون مضمون، إلى محاولة لحل النزاع وفقاً لمفهوم المبادرة العربية، مع التوضيح والتنقيح، مع تأكيد كيرى فى نفس الوقت أن الرئيس الأمريكى لن يكون طرفاً رئيسياً فى هذا الجهد، إلا إذا ظهرت بوادر حقيقية لنجاح جهوده.

 

وسيسعى أوباما لطمأنة الرأى العام الإسرائيلى والأمريكى بأنه لن يسمح بالمساس بأمن إسرائيل، لحث إسرائيل على عدم التسرع فى التعامل العنيف مع الربيع العربى أو مع إيران، لذا يقوم أوباما بزيارة بطارية نظام القبة الحديدية المستخدمة ضد الصواريخ خلال اليوم الأول للزيارة.

 

وستحظى قضية إيران بموقع مميز فى المحادثات، حيث تفضل الولايات المتحدة التعامل معها من خلال المفاوضات، وقد استبق الرئيس أوباما جولته بتصريح « أنه لا يزال أمام إيران أكثر من عام للحصول على القدرة النووية العسكرية» فى محاولة لتأجيل الحديث عن ضرب إيران.

 

واتصالا بمستجدات التغيير فى العالم العربى، وبالنزاع العربى الإسرائيلى سيقوم أوباما بزيارة الأراضى الفلسطينية المحتلة لتأكيد تأييده للسلام على أساس دولتين، ولإقناع الرئيس الفلسطينى بالتمسك بالتعامل السلمى مع النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، والاستمرار فى بناء المؤسسات الفلسطينية، ورهن المصالحة مع حماس بالتزامهم بالمبادرة العربية، وسيحاول دفع أبو مازن ومن بعده الأردن إلى العمل على إقناع العالم العربى لتفعيل المبادرة، فضلاً عن انه سيهتم مع كليهما بتقييم الموقف على الساحة السورية وتداعيات السيناريوهات المختلفة خاصةً خلال محادثاته مع الأردن.

 

                 وأتوقع أن يستقبل نتنياهو هذا التوجه بمواقف تقليدية، بتأكيد استمرار استعداد إسرائيل للتفاوض، بوضع تسيفى ليفنى فى وجهة التفاوض، دون إعطائها مساندة حقيقية، خاصةً مع تشكيل الائتلاف الحكومى الإسرائيلى الجديد، والذى يشمل أحزابا تؤيد التوسع الاستيطانى لإسرائيل فى الأراضى العربية المحتلة، وأتوقع أن يرهن نتنياهو عدم تفعيل تهديده بالاعتداء على إيران بضرورة تنازل أوباما عن السعى لتحريك عملية السلام العربية الإسرائيلية وفرض ضغوط جديدة على إسرائيل لتمكين الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم على الأراضى المحتلة، طارحاً حجة جديدة، وهى اضطراب الأوضاع فى العالم العربى، مما يمنع إسرائيل من اتخاذ خطوات جديدة نحو السلام.

 

•••

 

لا أتوقع الكثير من الرئيس أوباما خلال ولايته الثانية، وإن كنت آمل أن يتبع هذه الزيارة عهد دبلوماسى أمريكى مختلف عما مضى، أكثر توازناً وعدالة وحسما. وفى جميع الأحوال إذا كانت الولايات المتحدة فى مرحلة إعادة تقدير لمواقفها تجاه الشرق الأوسط، فمن الأولى أن تقوم الدول العربية بتقويم علاقاتها فى المنطقة وخارجها، ليس بغرض تغيير كل ما مضى، وإنما وضعه فى إطار رؤية واقعية للمنطقة مستقبلاً، وعلاقة متوازنة بين الأهداف القصيرة التى تُبنى على المصالح، والطويلة الأجل التى يجب أن تُقام على توافق مجتمعى حول المبادئ التى يجب أن نشكل بها سياساتنا ومواقفنا الداخلية والخارجية، وأفضل ما يمكن أن نضيفه فى سياستنا الخارجية هو إظهار قدرتنا على إدارة شئوننا الداخلية برشد، والتى لابد أن تشهد تغييراً فى مختلف الدول العربية، كما على العرب أن يتبنوا مواقف تعكس رغبة فى التفاعل والتعاون مع الغير، داخل المنطقة وعلى حدودها وعلى المستوى الدولى، مع التمسك باحترام الغير أيضاً للمصالح العربية، التى تتسق مع قواعد القانون والنظام الدولى فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والأمنية، إذا ما أقمنا ذلك، أتوقع أن نشهد علاقات عربية أقوى مع مختلف دول العالم على المدى المتوسط، بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، بعد فترة من الاضطرابات القائمة نتيجة للوضع فى سوريا وفلسطين والعراق وما يرتبط بعدم التوازن العسكرى بين العرب وغيرهم فى الشرق الأوسط، وبعد أن تستقر تقلبات الربيع العربى وتُقام أسس الدولة العربية الحديثة.

 

 

 

عميد كلية الشئون الدولية والسياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved