ضوء من تحت الأنقاض
خولة مطر
آخر تحديث:
الأحد 20 سبتمبر 2020 - 6:50 م
بتوقيت القاهرة
هى تردد وهم يجلسون بأعين تلمع بدمعها وبعض ما تبقى من بريق حسن وجمال... كثيرون مثلها ومثلهم يلهثون فى الزحام اليومى، يبحثون عن بقعة ضوء وإن لم يجدوها اتجهوا للنكات. قديما كانوا وكنا نقول إن المصريين هم فقط أصحاب النكتة والآن كثرت النكبات على العرب فتحولوا جميعا إلى صناعة الفكاهة وبالطبع يحاولون الالتحاق بركب المصريين الأكثر خفة دم فى الكون كله رغم أوجاعهم..
***
كل يبحث عن أمل، حتى ذاك الذى راح يجهز حقائب سفره ويغلف أثاث منزله ليخزنه، حتى هو يعرف أن المدينة التى سيرحل لها قد لا تكون هى من سيعيد له ولعائلته الحياة.. كثرت صور المودعين والمغادرين وآخرين باقين ربما بإرادتهم كجزء من صمود اعتادوا أن يرافق سنين عمرهم وآخرين لانعدام الفرص.. نشرة الأخبار المسائية تحمل صور الفارين عبر البحر، أولئك الذين تصطادهم الأمواج العالية أو تفترسهم الكورونا أو ربما فقط خفر سواحل بلد جار لا يتحمل مزيدا من الباحثين عن فرص حياة فى زمن الموت المجانى إذا لم تلبس الكمامة أو تتخذ احتياطاتك أو لم تلتزم بيتك حد الكآبة..
***
كانت البهجة سيرة أيامهم وكثيرا ما كانوا يحسدون عليها «فمن أين يأتون بكل هذا الفرح»؟؟؟ الآن هم من يبحثون بين أنقاض بيوتهم عن صورة أو ذكرى يتعلقون بها أو يورثونها لأبنائهم أو ربما أحفادهم.. كان فى هذه المدينة كثير من الموسيقى والرقص وقمة الجمال.. تبقى هى بعد كل ما أصابها ربما بكمادات هنا وهناك وبتشوهات عسى أن لا تبقى كما هى حال بعض مخلفات حربها الأهلية الأخيرة!!!! تبقى مدينة الجمال المعتق فى شوارع مر بها كثيرون من أبناء المنطقة.. بعضهم كان هاربا من زنزانة مكتظة تنتظره ليس لسبب إلا لكلمة كتبها أو نطق بها قبل أن تكثر وسائل التواصل وتتحول إلى منصات لنشر الكراهية والحقد بدلا عن المعرفة.. وآخرون زحفوا لها لمعرفتهم بكونها حرة لا تستعبد، مدينة لكل الأحبة والأحرار ومحبى الشعر والثقافة والسياسة أيضا. المقاهى التى كانت تكتظ بهم وأصوات نقاشاتهم المحتدة وأكواب القهوة نهارا ومشروبات أخرى مساء وليلا.. لا يخافون العسس ولا المتنصتين الجالسين هنا وهناك لتسجيل أنفاسهم.. بيروت كانت رئة يتنفس منها كثير من شباب وشابات تلك الأيام.. لا تزال تتمسك بكونها رئة العرب رغم كل ما عمل بها..
***
هى الأخرى كما هو راحت تردد سرقوا كل شىء «كل شىء، بيوتنا، وظائفنا، استقرارنا، عيوننا، صحتنا، شوهوا وجوهنا بزجاج انفجارهم.. سرقوا حتى ضحكتنا».. كما هو هناك كثير من اللبنانيين واللبنانيات يصنعون البسمة من عمق الكآبة، يمسكون بأيدى بعضهم البعض رغم التباعد الاجتماعى ويغزلون المرح وسط سحابة من السواد غطت المدينة، يرقصون على وجعهم ويخبئون آلامهم يولعون شمعة علها تحميهم من القادم المجهول أو تنير عتمة أيامهم..
***
يتفاءلون بمكالمة ويغزلون شعر تلك الشابة القادمة من مدن الملح، التى عبرت المطارات غير مبالية بذاك الفيروس العابر للقارات، ولا تخويف البعض وتهويل الآخرين.. جاءت لتزرع ابتسامة هنا وبذرة أمل هناك وتقول لهم بأنكم لستم وحدكم كثيرون هناك ربما يبدو أنهم بعيدون ولكنهم يترقبون أن يتحول أى نفس تحت الأنقاض إلى حياة ويأملون أن يرسلوا لكم ما يستطيعون وهو أضعف الإيمان!!!
***
هى التى عاشت معهم لحظاتهم، آلامهم وأوجاعهم لم تكن تلك المرة الأولى لها، فقلبها يبقى مع أطفال بيروت والشام والقاهرة ورام الله.. ومدن عربية أخرى وحّدها الوجع على تنوعاته.. راحت تمسح الزجاج عن وجوههم، أعادت لهم بسمة كانوا قد تصوروا أنها من بقايا الماضى.. هم المنكوبون جدلوا ضفائرها وجلسوا ملتصقين بها يكررون الأسئلة والضحكات ويرسمون أحلامهم فوق الورق الأبيض كقلبها وقلوبهم..
***
ألم تقل الرائعة فيروز «إيه فى أمل» وهى الأكثر صدقا منذ أن رددت إلى فلسطين خذونى معكم وكأنها تحكى ما هو مخزون فى قلوبهم كلهم..