مواعيد الشتاء المبكرة
عبد الله السناوي
آخر تحديث:
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 8:50 ص
بتوقيت القاهرة
فى كل يوم من هنا إلى مواعيد الشتاء فجوات تتسع وألغام تنفجر ومصائر تتهدد.
على حد الخطر تقف مصر بلا تأهب كاف أو يقظة لازمة لاحتمالات جرها إلى قلب براكين المنطقة أو أن تكون ميدانا من ميادين الدم فيها.
لا شىء يحدث صدفة فى ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية فى سيناء ولا فى عمليات أخرى شبه بدائية فى الداخل.
ما هو متمركز فى سيناء يعلن عن نفسه وأنه مازال قادرا على المواجهة رغم ما أصابه من خسائر فادحة.
وما هو شبه بدائى يطلب تصعيدا فى العنف وتنظيما أفضل بعدما تقوضت أغلب خلاياه المسلحة.
فى الحالتين هناك من يعرف ما يريد، يمول ويسلح ويستخدم الفجوات السياسية والاجتماعية بينما تغيب بفداحة أية استراتيجية متماسكة فى الحرب على الإرهاب.
بقدر نجاح مصر فى بناء نموذج جديد وملهم لعالمها العربى فإن الإرهاب سوف يدحر وبقدر إخفاقها فإنها سوف تضيع معه.
لا مصر فى مأمن من براكين النيران المشتعلة فى قلب المشرق العربى والجوار الليبى وعند تخوم الخليج فى اليمن ولا الإقليم كله بعيد عما يجرى فى مصر من تفاعلات وتحولات.
هناك رهان فى العالم العربى على الرئاسة الجديدة فى مصر لكنه قد يتراجع تدريجيا ما لم يتماسك الوضع الداخلى هنا.
على حد الخطر تتحدث الحقائق وحدها ويتهدد الأمن القومى فى وجوده.
عندما تنزل الثلوج على الجبال المتاخمة للحدود السورية اللبنانية فإن الجماعات التكفيرية المتمركزة فوقها سوف تضطر للنزول إلى السفوح، وهذا سر الاشتباكات العنيفة التى خاضتها «جبهة النصرة» مع قوات «حزب الله» التى تسيطر على مواقع حيوية تحتها فى «جرود بريتال» قبل أسابيع.
لم تكن المواجهة عشوائية على موقع هنا أو هناك بقدر ما كانت رسالة مبكرة لاحتكامات السلاح عندما تأخذ مداها فى الشتاء بين التحالف الأمريكى من ناحية وقوات «داعش» من ناحية أخرى.
فى غضون شهرين أو ثلاثة على أكثر تقدير فإن الإدارة الأمريكية تحت وطأة فشل استراتيجيتها فى الحرب على «داعش» مدعوة لمراجعات شاملة فيها وليس من المستبعد اللجوء إلى تدخل برى.
المعضلة هنا: التدخل بأية قوة دولية أو إقليمية وسط تعقيدات وحسابات متضاربة.
تركيا المأزومة تطلب إسقاط النظام السورى وتخشى فى الوقت نفسه من الصعود الكردى الذى ينال بالضرورة من وحدة أراضيها، وإيران المأزومة فى نفوذها على حدودها المباشرة والقلقة على مستقبلها تحاول الاقتراب من مصر لكنها تهدد بعمق الحليف السعودى بوصول «الحوثيين» الموالين لها إلى مشارف حدوده.
الأخطر فى المعادلة اليمنية الجديدة أن الطرف الآخر فى الصراع هو تنظيم القاعدة.
اللعبة كلها على وشك أن تتغير مع مواعيد الشتاء بصورة أكبر من أى توقع وحساب دون أن يكون واضحا أن لدينا هنا استراتيجية أكثر إحكاما فى الحرب على الإرهاب داخل مصر أو فى إقليمها ولا استراتيجية أخرى فى إدارة المصالح الاستراتيجية العليا وعلى رأسها الاقتصادية.
المعنى فى ذلك كله أن القضية سياسية قبل أن تكون أمنية.
الأمن ضرورى للحسم الميدانى لكنه بلا سياسة يجد نفسه فى العراء بلا غطاء.
التماسك الداخلى شرط نجاح أية استراتيجية ممكنة تواجه الخطر وتقدر عليه، وهو ما لا يمكن الجزم به الآن مع تآكل كتلة (٣٠) يونيو وتراجع رهاناتها الكبرى.
الخطر يتسع مع غياب رؤية توازن بين الأمن الضرورى والحريات العامة، تؤكد الأول دون تغول على الثانى، تلتزم بالحقوق الدستورية وتعيد إصلاح الجهاز الأمنى بما يتفق مع العصر وقيمه الرئيسية.
فى تضييق المجال العام أخطر ثغرات الحرب مع الإرهاب، يحجب التوافقات الوطنية ويثير السخط العام فى الوقت نفسه.
الأسئلة الصعبة تطرح نفسها هنا.
السؤال الأول، كيف نصون الحريات الصحفية والإعلامية التى كفلها الدستور ونكرسها فى تشريعات تتسق مع نصوصه المتقدمة مع ضبط الإيقاع العام وفق مواثيق الشرف المهنية التى تمنع انتهاك كرامات الناس وتحجب الخروقات الفاضحة التى تحرض على الحرية نفسها؟
بعض ما يراه الناس على شاشات الفضائيات أو يقرأه فى الصحف مكتوبا اعتداء مباشر على الحرية بأى معنى مهنى أو سياسى أو أخلاقى يحرض على الإرهاب بتوفير البيئة التى تناسبه، وهو ما يتوجب ردعه بالقوانين لا بالتعليمات بمواثيق الشرف لا بتدخلات الإدارة.
والسؤال الثانى، كيف نعيد إحياء السياسة ونمنع قتلها الذى تتواتر شواهده فبلا حياة سياسية يتمدد الإرهاب بلا قدرة على مقاومته؟
تأخر الحوار الرئاسى مع الأحزاب والقوى السياسية بأكثر مما هو طبيعى.
الحوار بذاته مطلوب لكنه يقصر أن يكون إيجابيا ما لم تكن لدى الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات العامة تصورات وتوافقات تضمن إنفاذ الدستور بلا تحلل من نصوصه الملزمة وتؤكد قدرة البلد على مقاومة الإرهاب ودحره.
السؤال الثالث، ما هو مستقبل الخرائط السياسية بعد الانتخابات النيابية؟
هل يكون البرلمان المقبل مركزا للتفاعلات السياسية والاجتماعية أم داعيا إلى اضطرابات جديدة ببروز وجوه الماضى تحت قبته؟
بحسب معلومات مؤكدة فإن بعض الأحزاب سعت إلى رجل الحزب الوطنى «أحمد عز» طلبا للتحالف الانتخابى معه، وهو تطور لا يمكن أن يمر بلا ثمن فادح إلا أن يكون انقلابا على شرعية الثورة، وهذا يضفى شرعية على الإخوان المسلمين بتعبير نائب رئيس الوزراء السابق الدكتور «حسام عيسي» الذى أعلنها بنفسه «جماعة إرهابية».
فى السياسة لا شىء مقدسا وتعديل قانون الانتخابات ممكن وفق ملاحظات الأحزاب الرئيسية.
بحسب معلومات مؤكدة أخرى فإن الرئاسة لا تمانع من حيث المبدأ العام أن يتضمن أى حوار متوقع فى مدى منظور إدخال تعديلات على هذا القانون.
سيل الأسئلة لا يتوقف بينما مشاهد النار فى المنطقة تلوح بأخطار أن تمتد إلى هنا.
العنوان الرئيسى لأية حوارات جادة هو تحصين البلد وضمان سلامته.
فى توحش الفساد ثغرة خطيرة فى الجدار الوطنى ولا توجد حتى الآن تصرفات تقنع بأن هناك مواجهة جدية معه.
وفى مشاعر الظلم الاجتماعى ثغرة أخرى تتسع من يوم إلى آخر بالقرارات التى تصدرها الحكومة وتكاد أن تكون استنساخا لما كان يصدر فى حكومات «حسنى مبارك» من انحياز للأثرياء ودوس على الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرا.
الناس مستعدة أن تفدى وتضحى لكى يكون من حقها الحياة بكرامة لا من أجل أن يعود الماضى بسياساته ووجوهه التى ثار عليها المصريون مرتين دون أن يجنوا شيئا تقريبا حتى الآن.
بوضوح تتطلبه التحديات الوجودية، أن نكون أو لا نكون، فإن كل إجراء اجتماعى أو سياسى أو أمنى يفضى إلى تفكك التماسك الوطنى شراكة صريحة وضمنية مع الإرهاب وهو يتأهب لمواعيد الشتاء وحروبه.