تعقيب من الصين
فهمي هويدي
آخر تحديث:
الأحد 23 أبريل 2017 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
أبدى باحث صينى أربع ملاحظات على ما نشر لى فى أول إبريل الحالى تحت عنوان «أشقاؤنا المنسيون»، وكانت مقالتى بمناسبة صدور قانون يسجل ١٥ محظورا على المسلمين الصينيين، وهو ما اعتبرته إحدى حلقات مسلسل القمع الذى يتعرضون له. الباحث هو شوى تشينغ قوه وهو متخصص فى الشئون العربية ومدير لمركز الدراسات العربية والإسلامية فى جامعة الدراسات الأجنبية ببكين. وقد اختار لتعقيبه عنوانا هو: ضد الإسلام أم ضد التطرف؟ وهو يمهد لملاحظاته ذكرنى ــ باللطف والأدب الصينى المعهودين ــ بأننى زرت جامعته قبل ربع قرن، حين كنت أعد كتابى «المسلمون فى الصين»، والتقيت أستاذه المؤرخ الراحل عبدالرحمن ماجونغ الذى كان بين من اعتمدت عليهم فى عرض تاريخ العلاقات الصينية العربية. ثم حين دخل فى الموضوع فإنه أبدى الملاحظات التالية:
< إن ظاهرة التطرف الدينى تفاقمت بشكل ملحوظ فى إقليم سينكيانج الذى يشكل أحد معاقل المسلمين هناك. ففى جنوب الإقليم أجبرت النساء بل الصبايا أيضا على ارتداء الجلباب الأسود والبرقع. وترك العمل خارج المنزل. وظهرت موجة عارمة فى تشديد التفرقة بين الحلال والحرام. فبين مياه الشرب وأوراق الكتابة ما هو حلال وحرام. ومتابعة الإذاعة والتليفزيونات الحكومية حرام والموسيقى والغناء حرام والرقص فى الزفاف والبكاء فى المآتم. بل حتى الأدوات الكهربائية التى توفرها الحكومة لمساعدة الفقراء، هذه كلها حرام. أما المعارض لهذا التشدد فيعتبر كافرا يستحق عقوبة قد تصل إلى الإعدام. ونتيجة لهذه الأفكار وقعت العديد من الحوادث الإرهابية فى داخل الإقليم وخارجه.
< الملاحظة الثانية تتعلق بتاريخ مقاطعة سينكيانج، التى ذكرت فيما كتبت أنها جزء من تركستان الشرقية، وجرى ضمها رسميا إلى الصين فى عام ١٩٤٩. وقد ذكر الباحث أنها كانت تحت الحكم الصينى منذ عام ٢٠٦ قبل الميلاد إلى عام ٢٢٠ الميلادى وقد أطلق عليها فى التاريخ الصينى القديم اسم «شى يو» أى المناطق الغربية. أما مصطلح تركستان الشرقية فقد اخترعه مستشرق روسى له توجهه الاستعمارى فى القرن التاسع عشر (اسمه نيكيتا بيشورين).
< الملاحظة الثالثة أن وصف مسلمى الصين بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية مغاير للحقيقة وتشهد بذلك السياسات التفضيلية التى طبقت فى الصين منذ تسعينيات القرن الماضى لصالح الأقليات القومية واستفادت منها القوميات الإسلامية العشر. وهى تشمل التساهل فى المعاملات القضائية والمرونة فى تنظيم النسل وتخفيض درجات قبول الطلاب الجامعيين وغيرها.
ردى على ملاحظات الأخ شوى نشينغ ألخصه فيما يلى:
< لا أختلف معه فى نقد مظاهر التطرف التى ذكرها أو إدانة أى إرهاب يترتب عليها، لكن ما عدده يعد من رواسب التخلف والقصور الفكرى، الذى له نظائر أخرى فى بعض مجتمعات مسلمى آسيا الوسطى، وهى أمور لا يعالجها الحظر القانونى وإنما يعالجها تصحيح المفاهيم ونشر الثقافة الدينية الصحيحة. والتدخل القانونى فى هذه الحالة يعد نوعا من القهر الذى يزيد من وتيرة العنف. ثم إن ذلك لا علاقة له بمنع الصيام أو حظر الحج أو معاقبة الملتحين، الأمر الذى يصنف بحسبانه عداء للتدين وليس التطرف.
< تاريخ ضم المقاطعة إلى الصين تتعدد فيه القراءات. وفى مقابل ما ذكره هناك مراجع عدة توثق اجتياح الصين لسينكيانج منها: قصة تركستان لعيسى يوسف البتكين وشرق تركستان تاريخى لمحمد أمين بغرا وتركستان الشرقية فى عهد ملوك الطوائف لمحمد قاسم أمين، وغيرها. وتتحدث تلك الكتب عن نضال المسلمين الأويغوريين وثوراتهم ضد الاحتلال الصينى، وأشهر ثورة عام ١٨٥٣ التى استمرت أربع سنوات.
< ما ذكره عن السياسات التفضيلية للأقليات القومية ــ إذا صح ــ فهو شىء جيد، لكن ذلك لا علاقة له بهويتهم الدينية، فضلا عن أن الأنباء التى تناقلتها وكالات الأنباء هذا الأسبوع عن استدعاء الطلبة الأويغور الذين يدرسون فى مصر وتركيا واليابان واعتقالهم بعد عودتهم تشككنا فى دقة الكلام عن «المعاملة التفضيلية» التى ذكرها الباحث المحترم، ومبلغ علمى أن المسلمين الذين يعيشون فى الصين لا يتطلعون إلى تلك المعاملة التفضيلية، لكنهم يحلمون بأن يعاملوا كمواطنين عاديين لهم الحق فى الكرامة والحق فى الحفاظ على هويتهم الدينية.