لغز الجفاء مع دمشق
فهمي هويدي
آخر تحديث:
الخميس 28 أكتوبر 2010 - 9:41 ص
بتوقيت القاهرة
هل يعقل أن تكون علاقات سوريا ممتازة مع كل من تركيا وإيران، فى حين يخيم الفتور على علاقات دمشق والقاهرة؟ كان ذلك مضمون أحد الأسئلة التى ألقاها على الرئيس بشار الأسد رئيس تحرير صحيفة «الحياة» اللندنية، زميلنا غسان شربل، فى ثنايا حوار مطول نشر يوم الاثنين الماضى 26/10. وقد تطرق الحوار إلى علاقات مصر وسوريا، مستدعيا مجموعة من الأسئلة الحائرة التى تشغل بال المراقبين لعلاقات البلدين والقلقين إزاء ما آلت إليه.
فى رده على السؤال أعلاه قال الرئيس الأسد: هذا غير طبيعى. وهذا هو الفرق. وهذه هى السهولة التى تحدثت عنها. فالعلاقات العربية ــ العربية فيما يبدو (أصبحت) أكثر صعوبة من العلاقة العربية مع غير العرب.
بقية الأسئلة توالت على الشكل التالى:
س: هل العلاقات السورية ــ المصرية على المستوى الرئاسى تعانى حساسية شخصية؟
جـ: بالنسبة إلى، لا. أنا لم أطلب شيئا من مصر، لا أريد شيئا من مصر. إذا كنا نختلف سياسيا فهذا ليس جديدا، نحن فى الأساس وقفنا مثلا ضد كامب ديفيد، ولم يتغير موقفنا فى أى لحظة. ونحن فى سوريا نقول لنفصل العلاقة الشخصية أولا عن علاقة البلدين. لنفصل العلاقة السياسية عن العلاقة الاقتصادية، وكان لدينا وزراء سوريون فى مصر أخيرا وسيزورنا الآن وفد مصرى ونعمل لانعقاد اللجنة المشتركة، أما على المستوى السياسى، فهناك اختلاف كبير فى الآراء. بالنسبة إلينا فى سوريا ليس مشكلة، ربما يكون لدى بعض المسئولين فى مصر مشكلة، ولا استطيع أن أعطى الإجابة نيابة عنهم.
س: هل هناك جهود سعودية لتحسين العلاقات السورية ــ المصرية؟
جـ: كانت هناك محاولة واضحة عندما التقينا فى القمة الرباعية مع أمير الكويت والرئيس مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز فى الرياض، بعدها لم تكن هناك أية محاولة أخرى.
س: هل كانت العقدة لبنان، أم المصالحة الفلسطينية أيضا؟
جـ: ولا واحدة. لا نعرف، الغريب أننا فى سوريا لا نعرف ما هى المشكلة، لذلك قلت لك أنا لا أريد شيئا من مصر، وكى تكتمل الصورة لابد أن تسأل الإخوة فيها ماذا تريدون من سوريا عندها تحصل على الجواب.
س: قلتم فى تصريح لم أتلق دعوة لزيارة مصر هل المشكلة فى الدعوة؟
جـ: لا. قالوا هل تحتاج زيارة مصر إلى دعوة؟ قلت: نعم تحتاج إلى دعوة، هكذا كان الجواب: طبعا تحتاج إلى دعوة، لان هناك انقطاعا فى العلاقات، أنا لم استقبل مسئولا مصريا منذ نحو خمس سنوات كما اظن، فاطلاق العلاقة بحاجة إلى بعض المبادرات، أحيانا قد تبدو شكلية لكنها ضرورية فى العلاقات السياسية والدبلوماسية.
حين سئل الرئيس بشار الأسد عن العلاقات السورية ــ السعودية، بعد ذلك، كان رده: إنها: جيدة ومستقرة. وكانت قد مرت بظروف صعبة لكنها على المستوى الثنائى لم تتأثر فى شكل كبير. وسئل بعد ذلك عما إذا كان هناك جانب شخصى أيضا فى هذه العلاقة، فكان رده ان العلاقة المباشرة بينه وبين الملك عبدالله هى الضمانة الأساسية لها.
يستخلص المرء عدة أمور من هذا الكلام منها ما يلى:
< ان ثمة مشكلة فى العلاقات المصرية ــ السورية، وان تلك المشكلة مازالت مستعصية على الحل منذ خمس سنوات على الأقل.
< ان الرئيس الأسد يعتبر ان هناك شيئا ما فى القاهرة يعطل مسار العلاقات السياسية بين البلدين، مستبعدا ان يكون اختلاف الرؤى فى الشأن اللبنانى أو الفلسطينى جوهر المشكلة.
ان ثمة شيئا ما لا يعرف كنهه فى علاقة الرئيسين المصرى والسورى يحول دون اعادة الحيوية والعافية بين البلدين. يشتم المرء هذه الرائحة حين يلاحظ أن الرئيس الأسد اعتبر أن علاقته الشخصية مع العاهل السعودى كانت الضمانة الأساسية للحفاظ على ايجابية العلاقة بين سوريا والمملكة. وكان رد الرئيس السورى مغايرا حين طرح عليه ذات السؤال فيما خص مصر، إذ ذكر أنه لا يوجد شىء من جانبه لكن «ربما يكون لدى بعض المسئولين فى مصر مشكلة». وكان المراقبون والصحفيون الذين حضروا قمة سرت الأخيرة فى ليبيا قد لاحظوا أن الرئيس المصرى والسورى احتفظا بمسافة بينهما، ولم يتبادلا اللقاءات أو الكلمات. الأمر الذى اعطى انطباعا بأن العلاقات ليست طبيعية بينهما.
لابد أن يكون لمصر رأيها فى الموضوع وقراءتها لخلفياته، لكننا إذا صرفنا النظر عما إذا كانت المسئولية عن الفتور المخيم يتحملها هذا الطرف أو ذاك، فلا مفر من الاعتراف بأن ذلك الفتور هو المصدر الأساسى لشق الصف العربى ومن ثم تصدع النظام العربى. ومن المفارقات ان تنعقد القمة العربية فى سرت لإصلاح ذلك النظام، وينشغل المشاركون بالشكل فيه والمسميات، فى حين لم يستقم أمر الركيزة الأساسية له، المتمثلة فى العلاقة بين القاهرة ودمشق، أما الغريب والمحزن فى الأمر فأن يستعصى حل المشكلة بين القاهرة ودمشق، فى حين يغدو الطريق سالكا ومفتوحا بين القاهرة وتل أبيب