مستقبل الناتو بعد انضمام السويد - عمرو وجدي - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 8:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل الناتو بعد انضمام السويد

نشر فى : الإثنين 1 أبريل 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الإثنين 1 أبريل 2024 - 7:15 م

فى السابع من مارس الماضى، انضمت السويد رسميا إلى حلف شمال الأطلسى «الناتو» لتصبح الدولة رقم 32 فى الحلف الذى تم إنشاؤه فى عام 1949، وذلك بعد قرنين من الحياد ثم عدم الانحياز العسكرى، وعامين من المفاوضات الشاقة والطويلة والمكثفة.
يعد هذا القرار تحولًا كبيرًا فى سياسة الأمن القومى للسويد، التى كانت حتى عام 2022 حريصة على تجنب إغضاب جارتها روسيا، إلا أن غزو الأخيرة لأوكرانيا فى فبراير من نفس العام كان نقطة تحول حاسمة دفعت ستوكهولم لإعادة النظر بشكل كامل فى سياستها الأمنية.
ويمثل تخلى السويد عن حيادها التاريخى تجاه روسيا، عاملا جوهريا فى تغيير مستقبل أمن منطقة الشمال الأوروبى، وفى نشوء تهديدات أخرى تُعزز توتر العلاقات الأوروبية ــ الروسية. وعسكريا، قد لا يُضيف انضمام الدولة الإسكندنافية «للناتو» فارقا جوهريا يسمح بتغيير موازين وحسابات القوى العسكرية للحلف، لكن المسألة تبدو أقرب للدعم السياسى الغربى وعملية تضييق الحصار على روسيا.
يعنى انضمام السويد إلى «الناتو»، بعد انضمام فنلندا العام الماضى، أن كل الدول الواقعة على بحر البلطيق، باستثناء روسيا، أصبحت الآن أعضاء فى الحلف. وعلى الرغم من أن السويد وفنلندا قريبتان عسكريا من الولايات المتحدة بحكم انتمائهما إلى الاتحاد الأوروبى، فقد فضلتا تاريخيا الابتعاد عن التحالف العسكرى الذى تشكل خلال الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتى.
• • •
واجهت السويد تحديات فى مسار انضمامها للحلف بعد تأخر كل من تركيا والمجر (العضوتين بالحلف) فى منح موافقتهما على انضمامها للحلف قبل تصديق برلمانيهما على الأمر فى النهاية. فتركيا اتهمت السويد بالتساهل مع ناشطين أكراد لاجئين على أراضيها، والذين تعتبرهم أنقرة «إرهابيين»، وذلك على خلفية زيارة وفد كردى من سوريا إلى ستوكهولم، ومشاركة وزير الدفاع السويدى فى مؤتمر عبر الفيديو كونفرانس مع قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى حرق نسخة من المصحف الشريف أمام السفارة التركية فى ستوكهولم.
أما بالنسبة للمجر، فبالرغم من أن الحكومة هناك لم تقدم سببا واضحا للتأخير فى منح موافقتها على انضمام السويد إلى الحلف، إلا أن كبار الساسة من حزب «فيدس» الحاكم، قالوا إن التأخير يعود إلى الانتقادات السويدية لتراجع الديمقراطية وسيادة القانون فى المجر، وانتهاك حقوق الأقليات هناك، فضلا عن السيطرة الحكومية على وسائل الإعلام.
• • •
إن انضمام السويد إلى الحلف له تداعيات محتملة على واقع الأمن بها وفى المنطقة، حيث توفر عضوية «الناتو» ضمانات أمنية وقوة ردع لاحتمالية أى هجوم أو تهديد لأمن السويد، من بينها التهديدات الروسية، وتضمن السويد دفاع الحلف عنها عملا بالمادة الخامسة من الميثاق المنشئ له والذى يشير إلى أن الهجوم على أى عضو فى الحلف هو هجوم على جميع الأعضاء، ويتطلب ردا جماعيا.
ويتاح للسويد فرصة لتعزيز التعاون الأمنى مع دول «الناتو»، حيث يتم تبادل المعلومات والخبرات فى مجالات مثل مكافحة الإرهاب والتهديدات السيبرانية والدفاع الجوى، مما يعزز القدرة السويدية على مواجهة التحديات الأمنية المشتركة.
تتمتع السويد من الناحية العسكرية بمكانة كبيرة فى مجال تصنيع الأسلحة الخفيفة، لاسيما الذكية منها، وبالتالى، فيمكن للحلف أن يستفيد من تلك الأسلحة لزيادة ترسانته لمواجهة التهديدات الأمنية خاصة من روسيا. كما يمكن للحلف استخدام الأراضى السويدية لإنشاء قواعد عسكرية، وتعزيز وجوده العسكرى والأمنى فى منطقة الشمال الأوروبى.
وكان جهاز الأمن السويدى قد وصف فى تقييمه السنوى للتهديدات، أن روسيا هى أكبر فاعل منفرد يهدد أمن السويد، كما أشار إلى أن الغزو الروسى يقوض النظام الأمنى الأوروبى الذى تبنى السويد أمنها عليه، وحذر من أنه إذا كانت السويد الدولة الوحيدة فى منطقة بحر البلطيق التى ليست عضوا فى «الناتو»، فستكون فى موقف ضعيف للغاية، مما يرجح زيادة الضغط عليها من جانب روسيا.

• • •

مع التوسع فى عضوية «الناتو»، تبدو أمام روسيا تحديات أكبر، فى ظل استمرار الحرب الأوكرانية بلا نصر أو حسم أو تفاوض لإنهاء الصراع، وبدلا من تحجيم وإبعاد الحلف عن المحيط الروسى، وتحديدا فى أوكرانيا، تتزايد المخاطر على موسكو، خاصة أن احتمالية دخول دول مثل أوكرانيا وجورجيا والبوسنة والهرسك للحلف، باتت واردة بعد فنلندا والسويد.
لقد دفعت الحرب الروسية فى أوكرانيا السويدَ إلى تحولات حاسمة لإعادة النظر فى سياستها الأمنية، وبالرغم من مواجهة السويد عقبات فى مسار انضمامها للحلف، وبالتحديد من تركيا التى وضعت شروطا وقدمت السويد تنازلات للتغلب على العقبات، فإن انضمامها للحلف يمثّل تغييرا فى موازين القوى الأوروبية فى مواجهة التحديات الأمنية، إذ باتت السويد تستفيد من حماية الناتو بموجب نظام الدفاع الجماعى.
وبعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا فى العام قبل الماضى، توترت العلاقات بين موسكو وستوكهولم لدرجة اعتبار دخول الناتو تهديدا لأمن روسيا القومى وخطوة عدائية، لأن خيارات موسكو تزداد تعقيدا، فانضمام السويد، ومن قَبلها فنلندا، يفرض واقعا جيوسياسيا يعمل على تغيير قواعد التوازنات الدولية فى شمال أوروبا، وأضحى من السهل على «الناتو» إجراء تدريبات ومناورات ونشاطات أوسع فى بحر البلطيق، فجميع الدول الأعضاء لديها منفَذ لبحر البلطيق كما تمت الإشارة من قبل، ما يعنى إضعاف وجود روسيا الاستراتيجى فى هذا الحوض، وصعوبة إجراء أى أنشطة عسكرية روسية، أو حتى تعزيز القدرات الدائمة فى المنطقة.
إن انضمام السويد لحلف «الناتو» عزّز تآكل أعداد الدول المحايدة فى أوروبا، والآن بات الحياد فى سويسرا وإيرلندا والنمسا فقط. وفى حال استمرار الوتيرة الحالية للأوضاع فى المنطقة، فلا يُستبعَد تخلّى أى منها عن الحياد، خاصة مع زيادة التوتر، والتغيير فى الأولويات الأمنية الأوروبية، على خلفية التحرك الروسى نحو إعادة المجال الحيوى فى شرق أوروبا، إضافةً إلى الاستقطاب الجيوسياسى، والتخوف من التجاذبات فى منطقة بحر البلطيق.
وبالرغم من المكاسب العديدة التى يجنيها «الناتو» من وراء انضمام السويد، وقبلها فنلندا، إليه، إلا أنه لا تزال هناك تحديات جمة تنتظر الحلف فى المستقبل، ومن أهمها؛ عدم تطابق الرؤى الأوروبية تجاه شكل الشراكة الأطلسية، واختلاف التهديدات الأمنية المباشرة لكل دولة، وتباين القدرات التمويلية والعسكرية لدول الحلف، مع احتمالية تفعيل خيار الردع النووى، وإعادة تعريف دور منظمة معاهدة الأمن الجماعى فى المعادلات الجديدة، فى ظل عدم وجود رؤية غربية لتحديد شكل العلاقة مع أوكرانيا فى المستقبل، واحتمالات التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو فى المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، فهناك احتمالية لانسحاب الولايات المتحدة من الحلف، خاصة إذا عاد الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، للبيت الأبيض مرة أخرى، وهو ما سيترك أوروبا فى أزمة أمنية وعسكرية.

• • •

إن توسع «الناتو» شرقا قد يجلب على القارة الأوروبية والأمن الدولى أخطارا استراتيجية أكبر، لأن التماسّ على مدى حدودى متزايد بين روسيا ودول «الناتو» يمكن أن ينزلق إلى حرب واسعة، فيما أن إرساء الأمن والاستقرار لا يتحقق عبر التحالفات العسكرية المضادة وزيادة التسليح العسكرى، مع استبعاد آليات الحوار والتفاوض، واستخدام التهديد كلغة أساسية من الجانبين.

عمرو وجدي باحث فى مجال حقوق الإنسان
التعليقات