منذ وقف إطلاق النار فى غزة، هناك حديث دائر عن دور إيران فى الأزمة، وعلاقة ذلك بإحياء الاتفاق النووى الذى وقعه اوباما فى 2015، وتركه ترامب فى 2018. حملت زيارة وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكن» إلى الشرق الأوسط رسائل ودلالات عديدة، لكل طرف ما يناسبه. كانت أول زيارة لمسئول أمريكى رفيع إلى «رام الله» بعد أربع سنوات من ابتعاد «ترامب» عن الشأن الفلسطينى، والموافقة على كل ما طلبته إسرائيل. وأكثر من ذلك زار وزير خارجيته «مايك بومبيو» إحدى المستوطنات فى الضفة الغربية، وهو ما لم يفعله أى مسئول أمريكى سابق، هذا بالطبع بالإضافة إلى قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. عادت «رام الله» تتفاعل دبلوماسيا، فى الوقت الذى أعادت فيه «تل أبيب» التأكيد على رفضها لإحياء الاتفاق النووى مع إيران. وينطلق اليمين الإسرائيلى، متلاقيا مع الشعبويين أنصار ترامب، من اعتقاد يروج له أن الاتفاق النووى سوف يستتبعه رفع العقوبات عن إيران مما يمكنها من دعم الميليشيات التى تتلقى منها الدعم العسكرى والمالى، مثل بعض الفصائل الفلسطينية. وبالتالى ينبغى أن تستمر ايران دائما فى دائرة التهديد، ترزح تحت العقوبات.
ثبت أن هذا الاعتقاد غير صحيح لعدد من الاسباب. أبرزها أن حماس فى ظل العقوبات المفروضة على إيران لاكثر من ثلاث سنوات أطلقت فى المواجهات الأخيرة ٤٣٠٠ صاروخ على اسرائيل فى ١١ يوما، وهو ما يوازى ما أطلقته على إسرائيل فى مواجهات ٢٠١٤ التى استمرت ٥٠ يوما. ليس هذا فحسب، بل إن صواريخ حماس استطاعت لأول مرة أن تصل إلى تل أبيب والقدس، اعترضت منظومة القبة الحديدية نحو ٩٠% منها.
من ناحية أخرى لم تمنع العقوبات المفروضة على إيران من توسعها الإقليمى، ودعم التنظيمات التى تحارب بالوكالة مثل قوات الحشد الشعبى فى العراق، وحزب الله فى جنوب لبنان، والحوثيون فى اليمن، واستطاعت أن تطول السعودية من خلال صواريخ وطائرات مسيرة. أخطر عملية كانت فى سبتمبر ٢٠١٩ وتسببت فى تعطيل مؤقت لما يقرب من نصف إنتاج السعودية من البترول.
من ناحية ثالثة لم تمنع العقوبات إيران من تطوير قدراتها النووية، يكفى أن الاتفاق النووى عام ٢٠١٥ عطل امتلاكها سلاحا نوويا، الآن بلغت معدلات نقاء تخصيب اليورانيوم نحو ٦٠%، وهو ما يعنى قرب امتلاكها سلاحا نوويا، فى حين أن معدل تخصيب اليورانيوم فى ظل الاتفاقية كان ٣ْ.٦٧%. وفى ظل توقع قرب انتخاب رئاسة متشددة فى إيران يصبح من الصعب الحصول على تنازلات منها.
بالتأكيد لن يحول إحياء الاتفاق النووى، ورفع العقوبات المفروضة على إيران دون دعم وكلائها من الميليشيات المسلحة، لكنه سوف يمنع امتلاكها السلاح النووى، ويكفى أن نذكر أن العقوبات لم تمنع إيران من التواصل مع القوى الدولية، فقد زادت واردات الصين من البترول الايرانى، ووعدت بكين باستثمار نحو ٤٠٠ مليار دولار فى إيران خلال الـ ٢٥ سنة المقبلة.