من أفسد من؟ - بلال فضل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من أفسد من؟

نشر فى : الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 1 أكتوبر 2013 - 8:00 ص

كتب الكاتب تامر أبو عرب الذي كنت أتابع مقالاته الجميلة في صحيفة (المصري اليوم) هذه التدوينة المهمة عن علاقة السلطة بالإعلام في مصر الآن، أدعوك لقراءتها والإجابة على السؤال الذي اتخذه عنوانا لها:

 «الجماهير تجدد عهدها للقائد لضمان الاستقرار والأمان» (مانشيت الأهرام 3 فبراير 2011».. «الشعب أسقط النظام.. ثورة الشباب أجبرت مبارك على الرحيل» (مانشيت الأهرام 12 فبراير 2011).. «الانتخابات الطريق الوحيد لتداول السلطة.. الرئيس يقدم كشف حساب والقبائل العربية تؤيد الشرعية» (مانشيت الأهرام 26 يونيو).. «عزل الرئيس بالشرعية الثورية» (مانشيت الأهرام 4 يوليو 2013).

أثرت الثورة سلبًا على جميع القطاعات لكن الإعلام كان المتضرر الأكبر، فبينما خسر البعض شعبيته والبعض تجارته والبعض حلفاءه، خسر الإعلام شرفه. في مرحلة ما كنا نظن الإعلام الرسمي تابعا للنظام، فجاءت الثورة لتبين أنه تابع للمنتصر، وكنا نظن أن الإعلام الخاص تابع للمعلنين، فجاءت الثورة لتؤكد أنه نشرة للمُلاك.

وبما أن المنتصر بات يتغير كثيرًا بعد الثورة، أصبح الإعلام الرسمي مضطربا متناقضا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وبما أن ملاك وسائل الإعلام تابعين لنظام مبارك أو متحالفين معه أو ليس بينهم وبينه مشكلة على أيسر الفروض، أصبح الإعلام الخاص يتعامل مع الثورة بمنهج مبارك، ويرى مصلحة الوطن بعين مبارك.

الثورة كانت «تسونامي» شديدًا ضرب الإعلام المصري وحطم ثوابته وأطاح بأدواته وغيّر ملامحه، لذلك نحتاج إلى سنوات وربما عقود لترميم ما تم تدميره، لأننا لسنا اليابان.

«أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي» (جوزيف جوبلز وزير إعلام النازية)

افتقد الإعلام المصري الحياد فقلنا المهم الموضوعية، افتقد الموضوعية فقلنا المهم الوطنية، والوطنية مصطلح «أستكي» تقول الجيوش إنها تحارب دفاعا عنها، ويدعي الإرهابي أنه يقتل الأبرياء لأجلها. الفارق بين الإعلام في كل العالم والإعلام في مصر كالفارق بين معلق رياضي ينقل للمشاهدين من مرر الكرة لمن ومن أحرز هدفا وكيف، ومعلق آخر يشجع أحد الفريقين فيقول إنه مستحوذ على الكرة بينما هي في حوزة الفريق الآخر، وينزل إلى الملعب فيحرز هدفًا، ثم يعود إلى منصة التعليق. الأزمة عندنا ليست في كل ماسبق، الأزمة أن الحكم يحتسب كرة المعلق هدفًا، وأن الجمهور يواصل الاستماع بعدها إلى تعليقه باعتباره طرفًا محايدًا.

 يقولون إن الإعلام أضر بالثورة، والحقيقة أن الثورة هي التي أضرت بالإعلام، فالثورة تسببت في الاستقطاب، والاستقطاب جعل في مصر 90 مليون جورج بوش يرفعون شعار «من ليس معنا فهو ضدنا»، ولأن رأس المال جبان قرر الإعلام أن يتخلى عن دوره التوجيهي والتوعوي ويسير مع التيار الأكثر عددًا حتى لا يخسر أمواله، ومن ثم يصبح بقاؤه مهددًا.

في منتصف يوم 30 يونيو 2013 وبينما كان الملايين في الشوارع للمطالبة بإسقاط محمد مرسي، نشرت بوابة الحرية والعدالة التابعة لحزب الإخوان المسلمين خبرا بديعا عنوانه « مظاهرات وهمية بوسط البلد وشوارع الجيزة»، ومتنه يقول « في محاولة لإقناع المواطنين بالنزول إلى الشوارع  للمشاركة في التظاهرات، تجول عدد من السيارات المتفرقة في بعض شوارع وسط البلد وبعض شوارع الجيزة سيارات معلق عليها ميكروفونات تردد تسجيلات لمظاهرات، وسط استياء من أصحاب المحال والمنازل، لما تسببه من ضوضاء كبيرة.

يعرف الصحفي الذي كتب الخبر ورئيس التحرير الذي نشره أن منطقة وسط البلد مكتظة بالمتظاهرين، لكنه لم يهتم بنشر ما يحدث بل ما يريد جمهوره أن يقرأه، وعلى الطرف الآخر يعرف الإعلام «الليبرالي اسمًا» أن الإسلاميين لن يختفوا من مصر، لكنه يدرك أن جمهوره يريدهم أن يختفوا، فأصبح ينشر عشرات الأخبار التي تؤكد أنهم اختفوا فعلا.

 في أول محاضرة لي بقسم الإعلام بكلية الآداب دخل الأستاذ الجامعي «المهيب» يرتدي بدلة كاملة ليحدثنا عن أن مهمة شاقة وحساسة تنتظرنا، فنحن صناع الرأي العام ويجب أن نكون أمناء عليه. تحدث الرجل عن أهمية الفصل التام بين الخبر والرأي وعن العناصر الخمسة الواجب توافرها في أي خبر، وأهمية التحقق من أي معلومة حتى لا يكون الصحفي مصدرًا لشائعة قد تثير اضطرابا في المجتمع، وضرورة عدم الانتماء لأي تيار سياسي أو تركه على باب الجريدة ونسيانه بمجرد الإمساك بالقلم.

بعدها بأيام أردت أن أطبق ما أدرسه في الجامعة عمليا فذهبت إلى جريدة إقليمية صغيرة في المنوفية كانت توزع إعلانات أمام مدخل الكلية تحت عنوان «مؤسسة صحفية كبرى تطلب متدربين للعمل لديها»، وبعد الخوض في شوارع ضيقة والسير على بعض الحجارة الموضوعة في مستنقع للمجاري بمهارة مهرج في السيرك القومي وصلت إلى مقر الجريدة الذي كان يحتل بدروم إحدى العمارات. تجاوزت عن كل ذلك وقابلت رئيس التحرير برضا شاب مقتنع بأن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فكانت أول جملة قالها لي بعد تعارف قصير «إن شاء الله عاوزين 40 جنيه رسوم الكارنيه ولو معاك أي حاجة كاتبها هاتها عشان عندنا نقص في الأخبار العدد ده».

في هذا اليوم تأكدت من كذب مقولة «هناك فرق بين النظرية والتطبيق»، ففي بلادنا لا توجد علاقة أصلا بين النظرية والتطبيق، وعرفت إجابة سؤال كنت أطرحه قبل ذلك بسذاجة بالغة: «لماذا لا يمارس أساتذة الإعلام الصحافة ولماذا لا يدرّس رؤساء التحرير الإعلام؟»، والإجابة التي توصلت إليها: «لأنه لا توجد علاقة بين المهنتين».

مطلوب الآن أن يجلس كل المهتمين بأمر هذه المهنة في مكان هادئ ليناقشوا كيفية تجاوز آثار مزج السياسة بالإعلام والصحافة، على مقربة من مكان يجلس فيه قيادات التيار الإسلامي لمراجعة سلبيات مزج الدين بالسياسة، وليخرج أساتذة الإعلام بخارطة طريق مهنية ملزمة للمؤسسات الصحفية والإعلامية، تزيح الغبار عن مقعد صاحبة الجلالة. مطلوب من الإعلام أن يركز على نقل الأخبار لا صناعتها، وارتداء وشاح القاضي، لا ثوب ممثل الادعاء ولا روب المحامي، وترك السياسة لناسها والحفاظ على المهنة لأهلها.

«الغاية تبرر الوسيلة» هو مبدأ ميكافيللي الذي اعتنقه الحزب الوطني والإخوان، وإذا كان قرارنا الاستمرار فيه فلنعيدهما لأنهما أعلم الناس به».