كانت زيارته الأولى لمصر، درس جزءا كبيرا من تاريخها أثناء سنوات دراسته وسمع عنها كتير أثناء تجواله فى قارة أفريقيا وتابع فريقها القومى وهو بيلاعب فريق بلاده أكتر من مرة، لكنها كانت المرة الأولى اللى بيسمح فيها الحظ لصديقى الصحفى البرازيلى بزيارة مصر، جه شايل ابتسامة فوق وشه وكلمة واحدة بيرد بيها على أى حد بيكلمه «برازيل»، كان بيرد بيها على أسئلة كتير من المصريين فى الشارع، أسئلة باسمة زى «ويلكم تو إيجيبت، هيوير آر يو؟ «وأسئلة عنيفة زى «إنت جاى تعمل إيه هنا؟، جاى تشعللها؟»، وأسئلة فيها اتهام ليا أنا شخصيا «إنتى بأه اللى بتقبضى من بره وجاية تساعدى الجاسوس ده؟»، لكن ابتسامة صديقى البرازيلى وكلمته الساحرة «برازيل» كانت بتنزل بردا وسلاما على الجميع اللى فى ثوانى ملامحهم بتلين والابتسامة بتملى وجوههم ومعظمهم كانوا بيطلبوا منه يسلملهم على مارادونا (اللى هو أصلا أرجنتينى بس الراجل ما اعترضش).
ما استغربتش لما حكالى عن عيلته وأصدقائه اللى اتفقوا كلهم على تحذيره من الزيارة، قالوله مصر ليه؟، روح اليونان أو تركيا أو إسرائيل، لكنه كان أولا فى مهمة عمل، وثانيا كان مصمم يزور مصر ويشوف الأهرامات السنة دى بأى تمن. ولما سألته ليه كانت إجابته صادمة: «أصل احتمال كبير إن دى تكون آخر سنة أقدر أدخل فيها بلدكم بسلام، إنتى مش واخدة بالك من البركان اللى انتو نايمين فوق قمته؟». وكان تحليله للأوضاع فى مصر إنها ماشية فى اتجاه من اتنين، أول سيناريو هو حكم إسلامى، يسيطر على مقاليد الحكم ويضيع الحقوق ويلجم الحريات ويمنع الأجانب ويقضى على السياحة، السيناريو التانى هو الحكم العسكرى، اللى هيستفز جموع الشعب وهتحصل مواجهات دامية هيكون ضحاياها بالآلاف لأن الجيش هيستخدم أسلحته بشكل مفرط ضد المعترضين عليه. وفى حالة السيناريو الأول أو السيناريو التانى، الاتنين هيستوجبوا تدخل أجنبى. وبص صديقى حواليه فى الشارع للناس اللى رايحة وجاية، بتشترى وبتبيع وبتاكل وبتشرب وبتلاقى وقت تضحك وتبتسم، وسألنى إنتو إزاى مش بتستعدوا للكارثة دى؟، إزاى ما بدأتوش النزوح من هنا؟، عبثا حاولت أفهمه إن السيناريوهات المرعبة اللى بيفكر فيها دى مش واردة.. يمكن كان ممكن نخاف منها من كام سنة، لكن دلوقتى بعد ما نسبة كبيرة من الشعب فاقوا ولقوا صوتهم واتعلموا يبصوا بهدوء وحكمة لأحداث ما كانوش بيتعاملوا معاها قبل كده غير بالانفعال فقط أصبحت السيناريوهات دى مستبعدة. قلت له إن رغم الحماس اللى مالى قلوب الشباب والبنات واللى بيخليهم يستهونوا بمصائرهم ويرحبوا بالموت فى سبيل اللى شايفينه حق البلد، بتفضل فيه نقطة رجوع بيقدروا يحددوها ويقفوا عندها لأنهم عارفين إن عبور النقطة دى هيضر بمصلحة ومستقبل البلد.
وقلت له إن إسلاميى مصر مش طالبان، وجيش مصر ــ رغم أخطائه ــ مش جيش سوريا، وإن انحرفت أى قوة منهم عن مسارها شعب مصر مش هيقف يتفرج وبلده بتضيع قدام عينيه. الأرض اللى عاشت آلاف السنين والشعب اللى عدت عليه كل القوى المتآمرة ــ داخلية كانت وخارجية ــ مش سهل يسقط بالشكل ده، واختصارا للوقت سمعتله كوبليهات أغنية شادية كلها «ماشافش الأمل فى عيون الولاد وصبايا البلد.. ما شافش الرجال السمر الشداد فوق كل المحن». وقلتله بصراحة إن مشكلته فى فهم الموقف سببها إنه «أصله ماعداش على مصر» وختمتها بـ«يا حبيبتى يا مصر يا مصر» وحسيت إن الراجل اقتنع، بس بصراحة أنا شخصيا بقيت بقاوم بصعوبة توقعات المستقبل المظلم اللى بتحوم حوالينا فى كل مكان، رغم إنى مقتنعة إن مصر وسطية وهتفضل طول عمرها وسطية، وإن مصر مش دولة صغيرة عشان تقع فى الزمن ده فى إيد محتل جاى يسرقها باسم حماية الحريات، وإن مصر مش دولة غنية بفلوسها، لكن غنية بناسها اللى حتى لو أخدوا تعسيلة لفترة من الزمن، بيفوقوا وبيعرفوا الصح فين وبيعملوه، مصر هتفضل هى مصر، طول عمرى أنا وناس كتير مقتنعين بكده، لكن الفرق إننا دلوقتى مش قادرين نقولها غير واحنا حاطين إيدينا على قلبنا فى انتظار اللى جاى.