تمر الثورات العربية بفترة صعبة، من الشكوك السياسية فى شمال أفريقيا إلى المذابح اليومية فى سوريا. وتبدو مصر أحيانا وكأنها على حافة انهيار اقتصادى أو انقلاب عسكرى. ومازالت تونس تترنح بين الاغتيال السياسى وحالة قد تطول من عدم الاستقرار، مع تضاؤل فرصة نجاح المفاوضات لتحقيق توافق على تشكيل الحكومة الجديدة. ويشعر كثير من المواطنين العاديين فى كلا البلدين بالإحباط والتشوش. لكنهم، على الأقل، لم يفقدوا روح الدعابة.
وتشمل آخر صيحة تجتاح الإعلام الاجتماعى المصرى والتونسى تصوير رقصة هارلم شيك، التى تصاحبها موسيقى إلكترونية من وضع الأمريكى باور، وتحميلها على موقع يوتيوب. وكان هذا الاتجاه قد بدأ فى استراليا، لكنه انتشر فى الشرق الأوسط، واتخذ ملمحا جديدا، فهو يوقع أصحابه فى المشكلات أو يعرضهم للاعتقال، ليتحول بذلك إلى نوع جديد للاحتجاج السياسى.
•••
والأسبوع الماضى، بدأ المصريون يهددون بعرض هارلم شيك أمام مقر الإخوان المسلمين. وهو ما دعا المتحدث باسم الجماعة إلى التحذير من أن يتحول الرقص إلى العنف (كان المقر هدفا لمثيرى الشغب أثناء الاحتجاجات التى جرت فى ديسمبر الماضى). وفى حادث منفصل، سارعت الشرطة المصرية بالقبض على أربعة أشخاص قدموا الرقصة بالملابس الداخلية فى شوارع القاهرة. ومن الممكن أن يصبح العرض رمزا للتحدى، بعد أن تحول إلى تسلية شعبية فى بلد يهتز تحت وقع الاحتجاجات التى لم تنقطع منذ نوفمبر الماضى وموجة متنامية من العصيان المدنى.
وفى تونس، كان العرض الأول السبت الماضى وقدمته مجموعة من طلبة مدرسة تدعى بير بلان. وانتشر شريط الفيديو الذى وضعوه على يوتيوب انتشار النار فى الهشيم على موقع فيس بوك، ما دعا وزير التعليم، عبدالفتاح عبيد، إلى إعلان عزمه «إجراء تحقيق»، ووعد بطرد الطلاب ومعاقبة إدارة المدرسة. وقوبل رد فعله بالسخرية من كل اتجاه، ومنذ ذلك الحين أصبحت عروض هارلم شيك تقدم فى المدارس باتساع فى أنحاء البلاد، مع إضافة السخرية من المشاهير. ومن المنتظر تقديم عرض احتجاجى كبير لهارلم شيك يوم الجمعة المقبل أمام وزارة التعليم التونسية.
•••
لماذا اعتبر عبيد أن الفيديو يستدعى التحقيق؟ وضع أحد الساسة الذين يعرفون الرجل حق المعرفة أمامى الفرضية التالية: الوزير حريص على الاحتفاظ بمنصبه فى الوزارة التى يجرى التفاوض الآن على تعديلها، وكمنتمٍ ليسار الوسط أراد أن يؤكد لقيادة الائتلاف الإسلامى، أى حزب النهضة، على ميوله المحافظة.
ومن المفارقات أن أحد الطلاب الذين ظهروا فى فيديو مدرسة بير بولان هو ابن أحد نواب حزب النهضة فى البرلمان، ولا يرى عيبا فيما حدث. ويتساءل العلمانيون الآن: لماذا تحرك عبيد لاتخاذ إجراء فى رقصة بينما لم يحرك ساكنا عندما ارتفع العلم الأسود الخاص بالقاعدة فوق مدرسة أخرى؟
وتتراوح ردود الأفعال على هارلم شيك فى تونس بين الفوضى المربكة والارتياح. والارتياح مصدره الشباب الذين لعبوا الدور الأساسى فى الإطاحة بهؤلاء الديكتاتوريين العرب لم يفقدوا أعصابهم أو حيويتهم.