أخشى أن تندفع السلطة نحو الفخ الذى نصبته لها الجماعات الإرهابية، فنخسر جميعا معركتنا ضد الإرهاب. فالإرهابيون الذين يريدون قبل كل شىء تدمير مؤسسات الدولة لا يحلمون بأكثر من حزمة القوانين الجديدة التى تعالى الحديث بشأنها بعد جريمة اغتيال النائب العام هشام بركات وهى القوانين التى ستصيب نظام العدالة المصرى بتشوهات بالغة. فكيف يستقيم نظام قانونى يحرم المتهم من حقه فى الاستماع إلى شهود النفى؟ وكيف يمكن الثقة فى نظام قانونى يحرم المتهم من إحدى درجات التقاضى بدعوى اختصار الإجراءات؟ وغير ذلك أسئلة عديدة ستخصم الإجابة عليها الكثير من رصيد مؤسسة العدالة المصرية إذا لم تتريث السلطة قليلا قبل إصدار مثل هذه التعديلات القانونية.
وإذا كانت الجماعات الإرهابية تمارس القتل على الهوية ولمجرد الشبهة، فلا يمكن للدولة أن تسير فى الاتجاه نفسه بدعوى أننا نخوض حربا ضد الإرهاب. فالفارق بين الدولة والعصابة الإرهابية هو أن الأولى تلوى الحقائق وتدوس المبادئ لخدمة جرائمها، فى حين أن الدولة تلتزم بالقواعد والمبادئ ولا تحتال عليها ولا تتحلل منها حتى وهى تخوض حربا.
وقد جربنا منذ انطلاق الجولة الحالية من الحرب ضد الإرهاب بعد الإطاحة بنظام حكم جماعة الإخوان الفاشية والفاشلة، تشديد القوانين واتخاذ إجراءات غير مدروسة بدعوى التصدى للإرهاب، فأصابت تداعياتها القليل من الإرهابيين والكثير من المواطنين الذين أوقعهم حظهم العاثر تحت طائلة هذه القوانين والإجراءات.
والحديث الصاخب عن ضرورة الإسراع بإصدار أحكام الإعدام وتنفيذها ضد المتهمين فى جرائم الإرهاب وغض الطرف عن ضمانات المحاكمات العادلة، والحديث الأشد صخبا عن ضرورة تنحية حقوق الإنسان وحماية الحريات وسيادة القانون والعدالة لن يقود، فى ظنى، إلى الانتصار على الإرهاب، بل ربما يؤدى إلى العكس.
فالإرهابيون ومن يوالونهم لا يريدون أكثر من اتساع دائرة القمع والقوانين الاستثنائية وتشويه نظام العدالة لأن هذا يوفر لهم البيئة المثالية لاستقطاب مزيد من الضحايا الذين يسهل التغرير بهم وضمهم إلى صفوفهم.
لا يجادل عاقل فى ضرورة إعدام كل من ارتكب جريمة تستحق هذه العقوبة، لكن إهدار ضمانات المحاكمات العادلة يهدد بسقوط أبرياء تحت طائلة هذه العقوبة وهو أمر عظيم لو كنتم تعقلون.
أما الأصوات التى انطلقت خلال اليومين الماضيين تطالب بالإسراع بإصدار أحكام الإعدام وتنفيذها وتجريد المتهمين من ضمانات المحاكمة العادلة، تتناسى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى اعترف بوجود مظلومين كثر فى السجون بسبب المواجهة ضد الإرهاب، وهنا علينا أن ندق ناقوس الخطر قبل أن نتحول من مرحلة وجود مظلومين خلف القضبان، إلى مظلومين تم إعدامهم.
وأخشى أن يأتى اليوم الذى نترحم فيه على «زمن الطوارئ الجميل» لأنه على الأقل كان يوفر المحاكم الاستثنائية لمن تريد السلطة محاكمته أمامها فى حين ترك النظام القضائى والقانونى الطبيعى خارج دائرة العبث، تماما كما جعلنا إرهاب داعش نترحم على «زمن إرهاب القاعدة الجميل».
أخيرا فضمانات العدالة ليست عبئا فى الحرب ضد الإرهاب وإنما هى سلاح فعال ولا غنى عنه فى هذه الحرب، ومن يقول غير ذلك فهو إما أحمق أو دموى أو جاهل بحقائق التاريخ.