مستقبل دور القوى المجتمعية فى السياسة الخارجية المصرية - راوية توفيق - بوابة الشروق
الإثنين 4 نوفمبر 2024 8:31 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل دور القوى المجتمعية فى السياسة الخارجية المصرية

نشر فى : الأحد 2 سبتمبر 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأحد 2 سبتمبر 2012 - 8:25 ص

على مدى العقود الثلاثة الماضية، لم تؤثر سيطرة الدولة وسعيها لإضعاف القوى المجتمعية على دور هذه القوى فى الداخل فقط، بل على نشاطها الخارجى أيضا.

فقد تعاملت الدولة مع صلات هذه القوى بالخارج بمزيج من الحذر والازدواجية، باركت الدولة تطور علاقات جمعيات رجال الأعمال بمثيلاتها الأمريكية والأوروبية، واتصالات رجال الأعمال بالدول المانحة للترويج للسياسات الاقتصادية للنظام المصرى. وفى الوقت ذاته، كثيرا ما قيدت الدولة الأنشطة الخارجية لجماعات ومنظمات على اختلاف توجهاتها الفكرية، بل واعتبرتها خطرا على الأمن القومى. وإذا كانت ثورة الخامس والعشرون من يناير قد فتحت آفاقا لدور أكبر لقوى تقليدية وأخرى صاعدة فى السياسة المصرية، فمن المتوقع أن ينعكس ذلك على سياسة مصر الخارجية.

وفى إطار سعى مصر لتنشيط علاقاتها بقوى الجنوب الصاعدة ودول الجوار الإقليمى، وهو ما بدا من الزيارتين الأخيرتين للرئيس محمد مرسى إلى إيران والصين، يجدر التفكير فى كيفية استغلال دور القوى المجتمعية المصرية لصياغة دور أكثر نشاطا وفاعلية فى الدوائر المختلفة للسياسة الخارجية المصرية.

 

على الرغم من انشغال القوى السياسية فى مصر بتطورات الداخل وباستحقاقات الفترة الانتقالية، يمكن من خلال متابعة نشاط ما سمى بوفدى «الدبلوماسية الشعبية» إلى بعض دول حوض النيل ثم إلى إيران منتصف العام الماضى، والتحرك الخارجى المصرى عقب انتخاب أول رئيس مصرى بعد الثورة تسجيل مجموعة من الملاحظات حول واقع ومستقبل المشاركة المجتمعية فى صنع وتنفيذ سياسة مصر الخارجية. أولى هذه الملاحظات أن مشاركة قوى المجتمع من جمعيات رجال أعمال، ومجتمع مدنى ومراكز بحثية وغيرها لابد أن تأتى ضمن سياسة عامة تحدد بشكل واضح أهداف السياسة الخارجية التى تسعى الدولة إلى تحقيقها، وكيفية مساهمة المجتمع المدنى المصرى وجماعات رجال الأعمال وغيرهما من القوى المجتمعية فى تحقيق هذه الأهداف، والدور الذى يمكن أن تلعبه الدولة بدورها لتدعيم هذا المساهمة، وآليات التنسيق بين الدولة وهذه القوى لتحقيق الأهداف المشتركة وتجنب الانفصال بين سياسة الدولة والنشاط الخارجى لهذه القوى.

 

فقد بدا خلال زيارة وفدى الدبلوماسية الشعبية سالفى الذكر، على سبيل المثال، أنه  بخلاف التنسيق البروتوكولى بين السفارات المصرية فى الخارج وهذين الوفدين، لم يكن هناك تنسيق مع مؤسسات الدولة لتحديد ما هى النتائج المحددة المطلوب إنجازها من هاتين الزيارتين، وما هو حدود الدور الذى يمكن أن تلعبه مثل هذه الوفود، بل حتى ما هو التوقيت الأنسب لتلك الزيارات. ولا يبدو أن هذا الدور كان أكثر وضوحا فى ترتيبات زيارتى الرئيس إلى إيران والصين، أو على الأقل هذا ما انتهيت إليه من متابعتى لما يعلن عن الزيارتين. فقد ضم الوفد المتجه إلى الصين عددا كبيرا من رجال الأعمال المصريين لمناقشة دعم المشروعات والاستثمارات المشتركة بين البلدين. ولكن لا يبدو أن ذلك قد جاء فى إطار سياسة محددة الخطوات لتطوير علاقات مصر بدول الجنوب، وتحديد مجالات التعاون وآفاقه، وتعريف دور رجال الأعمال فى تنفيذ هذه السياسة، وفرص وتحديات هذا الدور، وكيفية مساهمة الدولة فى تعزيز هذه الفرص وتذليل الصعوبات. وقبل أن تستمر الدولة فى تقليد مصاحبة رجال الأعمال للرئيس فى رحلاته الخارجية لعقد صفقات اقتصادية فى هذا المجال أو ذاك، يجدر بالدولة المصرية، سواء من خلال مؤسسة الرئاسة أو وزارة الخارجية، فتح حوار مع رجال الأعمال لمناقشة أشكال الدعم الذى يمكن أن تقدمه الدولة لرجال الأعمال المصريين لتعزيز استثماراتهم فى الخارج، وكيفية تعظيم العائد الذى يمكن أن تحققه الدولة من هذه  الاستثمارات، وكيفية صياغة أطر قانونية لتعظيم الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية القادمة من الصين وغيرها.

 

وعلى حد علمى فإنه لم تحدث بعد انتخاب الرئيس أية محاولة منظمة تجمع ممثلين من الدولة والمجتمع المدنى ورجال الأعمال لتعريف مبادئ وأهداف السياسة الخارجية لمصر ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. ولعل ذلك يكون أحد مهام بعض مساعدى ومستشارى الرئيس الذين تم الإعلان عن أسمائهم مؤخرا.

 

وحتى لا يتحول دور القوى المجتمعية إلى إسهامات موسمية تعالج أزمات طارئة، أو تقتصر على مصاحبة الرئيس فى جولاته الخارجية، فلابد من وجود إطار مؤسسى يجمع الدولة بهذه القوى، وهذه هى الملاحظة الثانية. وهناك صيغ عديدة يمكن أن يتحقق بهذا هذا التواصل. ففى بعض الدول تعقد وزارات الخارجية مؤتمرا سنويا تدعو فيه قوى المجتمع من نقابات ومراكز أبحاث وجمعيات رجال أعمال لتقديم رؤيتها حول السياسة الخارجية للدولة وتقييم ما أتخذته الدولة من مواقف وسياسات خلال العام المنصرم. هذا بالإضافة إلى المؤسسات التشاركية التى تجمع الدولة وممثلى قوى المجتمع للتفاوض حول السياسات العامة، ومنها ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وقد تم مؤخرا تداول اقتراح إنشاء مجلس أعلى للسياسة الخارجية فى مصر، وإن لم يكن واضحا ما هى الوظائف المنوطة بهذا المجلس وما دور المجتمع المدنى فيه؟

 

•••

 

وأخيرا فإن دراسة التجارب الأخرى للدول الديمقراطية التى يلعب فيها المجتمع المدنى دورا خارجيا نشطا تؤكد أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدنى لابد أن تقوم على الموازنة بين مبدأين، التواصل والاستقلال النسبى. فإذا ركزت الدولة المصرية بوجه عام، ومؤسسة الرئاسة بوجه خاص، على استقلالها عن المجتمع فى صياغة سياستها الخارجية وتغافلت التنسيق والتواصل مع قوى المجتمع، فسوف يستمر نهج السياسة الخارجية التى يصنعها الفاعل الأوحد. وإذا ركزت على التواصل والاستجابة لتوجهات فصيل معين دون الاهتمام باستقلال مؤسسات صنع وتنفيذ السياسة الخارجية عن هذا الفصيل أو ذاك، فسيعنى ذلك أن مؤسسات الدولة صارت تنفذ رؤية هذه الجماعة أو الفصيل بدلا من تنفيذ أهداف وإعلاء مبادئ سياسة واضحة للدولة المصرية. ونفس المنطق ينطبق على قوى المجتمع. فلا يمكن أن تدير قوى المجتمع، بما فيها الائتلافات الثورية والأحزاب والجماعات الدينية الصاعدة، علاقاتها بالخارج، خاصة ما يتعلق بتمويلها من مصادر خارجية، بمعزل عن الدولة وأهدافها وقوانينها. وفى الوقت ذاته فإنه ليس مطلوبا لهذه القوى أن تكون متحدثا باسم الدولة ومدافعا عن مواقفها فى الخارج. المطلوب إذن هو التنسيق والحوار من خلال مؤسسات فاعلة مع احتفاظ كل طرف باستقلالها النسبى عن الطرف الآخر.

 

إن أحد أبعاد إعادة صياغة السياسة الخارجية فى الفترة المقبلة لابد أن ينصب على تعريف دور المجتمع فى صنع وتنفيذ أهداف السياسة الخارجية المصرية على النحو الذى يعظم مساهمته فى تحقيق هذه الأهداف. ولاشك أن ذلك يحتاج أولا إلى صياغة واضحة لهذه الأهداف من خلال فتح باب الحوار حول ملامح سياستنا الخارجية بل وحول مكانتنا المأمولة فى المستقبل القريب.

 

راوية توفيق مدرس العلوم السياسية جامعة القاهرة
التعليقات