مشاهد من مسرح حكم الفرد! - بلال فضل - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 10:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشاهد من مسرح حكم الفرد!

نشر فى : السبت 2 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2013 - 11:54 ص

فى كتابه المثير (السادات وحكايات أخرى) يحكى السياسى القديم أحمد طلعت مجموعة وقائع عن علاقته بالسلطة فى عهدى عبد الناصر والسادات، قد لا تحفل بالأسرار الخطيرة التى ينتظرها البعض من كتب المذكرات السياسية لأن المؤلف لم يكن قد وصل إلى مواقع شديدة التأثير فى صنع القرار، إلا أن تلك الوقائع ترسم صورة مهمة لطريقة صنع القرار فى مؤسسات الدولة العادية فى ظل حكم الفرد، الذى يسعى الملايين الآن جاهدين لأن تعود مصر إليه من جديد بوصفه الحل الأكيد لمشاكلها، مع أنه لم يزد تلك المشاكل استفحالا وتعقيدا إلا حكم الفرد.

بدأ أحمد طلعت حياته العملية عام 1953 كمندوب فى رئاسة الوزراء لجريدة (الجمهورية) التى اختير أنور السادات لرئاسة تحريرها لتكون لسان حال ثورة يوليو، كان ذلك فى الوقت الذى كان فيه محمد نجيب يجمع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وعندما بدأت الأزمات تتصاعد بين محمد نجيب وجمال عبدالناصر داخل مجلس قيادة الثورة، فوجئ طلعت بالسادات يستدعيه فى وقت متأخر، كان السادات متعودا على السهر فى الجريدة كل ليلة، دخل عليه طلعت ليجده يتناول عشاء دسما مكونا من لحوم مشوية وفراخ محمرة، «ظللت واقفا أمامه حتى رفع عينيه فى وجهى، ووجه الحديث إليّ بغير اكتراث قائلا: الراجل نجيب ده راجل خرفان بيحب كتر الكلام.. من هنا ورايح سيبك منه ولا تنشر من تصريحاته شيئا على الإطلاق».

وبرغم ذهول الصحفى الشاب من سماعه لعضو فى مجلس قيادة الثورة يسب رئيس الجمهورية فقد نفذ الأمر دون نقاش طبعا، فكان يقف مع زملائه من الصحفيين أمام محمد نجيب وهو يدلى بتصريحاته دون أن يسجل منها كلمة، واستمر الوضع كذلك حتى خرج محمد نجيب من رئاسة الوزراء ليتولاها عبدالناصر طبقا لاتفاق جرى لتسوية الأزمة بين الرجلين، وعندما جاء نجيب ليزور عبدالناصر ويهنئه بمنصبه، سمعه طلعت يقول لعبدالناصر «مبروك يا عم جمال» متجنبا مناداته برتبته العسكرية أو لقبه الجديد، وعندما قام نجيب بالإدلاء بتصريحات عقب الزيارة لم يسجل طلعت منها حرفا لكى يكتبه فى جريدته تنفيذا لتعليمات السادات السابقة، وفى اليوم التالى فوجئ بالسادات يستدعيه ويعنفه قائلا «ما هذا الذى فعلته؟، لقد سببت لنا حرجا شديدا فى مجلس قيادة الثورة، لقد اتصل نجيب بجمال وكان غاضبا غضبا شديدا لأن الجمهورية لم تنشر تصريحاته بالأمس، ان اتفاقنا مع نجيب على التخلى عن رئاسة مجلس الوزراء يقضى بأن يعامل معاملة رئيس الجمهورية كاملة، وأن تنشر كل تصريحاته بهذه الصفة ولقد تصور من عدم نشرك لتصريحاته أمس أن جمال قد أخل باتفاقه معه»، ثم توقف السادات فجأة ليقول لأحمد طلعت بمنتهى الثبات «إنت مفصول» دون أن ينظر حتى إليه، أدرك طلعت أن الأمر قد صدر بأن يشيل الليلة منفردا لذلك وجد أنه من العبث تذكير السادات بأنه كان ينفذ أوامره لذلك تقبل القرار فى صمت وغادر المكان.

بعد فصله من (الجمهورية) سافر أحمد طلعت إلى باريس والتحق بمعهد العلوم السياسية للحصول على دبلوم الدراسات الأفريقية وتخصص فى عمل أبحاث عن المسلمين فى أفريقيا، وبعد فترة تم تعيين السادات سكرتيرا عاما لمنظمة المؤتمر الإسلامى ووزير دولة لشئون المؤتمر الإسلامى، كان السادات فى تلك الفترة قانعا بما يكلفه به عبدالناصر من مناصب حتى وإن بدت هامشية لكى يبعد نفسه عن الصراعات الطاحنة على المناصب الهامة دون أن يعلم أن هذه القناعة ستزيد ثقة عبدالناصر فيه وستؤتى ثمارها يوما ما. عندما عاد أحمد طلعت إلى مصر بعد انتهاء دراسته تقدم لوظيفة فى جامعة الدول العربية، لكنه فوجئ باستدعاء يأتيه من أنور السادات لكى يقابله فى مكتبه بالمؤتمر الإسلامى ومعه كل ما لديه من وثائق ومراجع تتعلق بالمسلمين فى أفريقيا، وذهب طلعت إلى المقابلة متوقعا أن السادات سيفاتحه فيما جرى فى جريدة الجمهورية بشكل ما، لكن ذلك لم يحدث، بل فوجئ بالسادات يقول له مباشرة إنه قرر تعيينه وكيلا لإدارة الاستعلامات التى كان يرأسها السيد علوى حافظ وقتها بل وطلب منه أن يبدأ عمله فورا وأن يعتبر نفسه الرئيس الفعلى للإدارة لأن علوى مشغول بأشياء أخرى، ثم نهض وصافحه دون أن يترك له حتى فرصة ليقول رأيه فى عرض الوظيفة.

كان العرض مغريا من كافة جوانبه، ولذلك لم يتردد طلعت طويلا فى الموافقة عليه، دون أن يدرى أنه سيندم عليه بعد ذلك، وبالفعل بدأ عمله على الفور، وبعد أسابيع قليلة تعرضت مصر للعدوان الثلاثى فى عام 1956، ووقتها تحول مقر المؤتمر الإسلامى إلى مقر اقامة بديل لعبد الناصر بناء على اقتراح من السادات الذى قال إن وجود المبنى وسط حى الزمالك وبالقرب من معظم السفارات الأجنبية سيصعب على الطيران الإنجليزى مهمة ضرب مقر اقامة عبد الناصر للتخلص منه، بعد انتهاء العدوان قام السادات بكتابة كتاب يشرح بالصور طبيعة العدوان، وتم تكليف طلعت وزملائه بترجمة الكتاب إلى عدد من اللغات المحلية المتداولة فى أفريقيا وآسيا، وبعد أن تمت ترجمة الكتاب وطبع مليون نسخة منه، تم تكليف طلعت بالذهاب إلى عدد من رؤساء الدول برسائل من السادات وتوزيع نسخ من الكتاب فى تلك الدول، وقبل سفره سأل طلعت فوزى عبدالحافظ سكرتير السادات عما إذا كان مطلوبا منه أن يحضر معه شيئا من الخارج، دخل فوزى إلى حجرة السادات ثم عاد ليقول له إنه فى حاجة إلى علبتى لبن أطفال لابنه الرضيع جمال اسمه «S.M.A» لم يكن منتشرا وقتها فى مصر، وطلب منه أن يعطيه للسفير المصرى فى بيروت ليرسله إلى مصر بالحقيبة الدبلوماسية، وهو ما فعله طلعت فور وصوله إلى بيروت حيث ذهب إلى صيدلية واشترى علبتى لبن أطفال وأعطاهما للسفير المصرى، دون أن يدرى أن تلك العلبتين ستكونان سببا لتأزم علاقته بالسادات فيما بعد.

(بسبب ارتباطى بسفر قصير يمنعنى من متابعة الأحداث الجارية بدقة، أقوم حتى نهاية الأسبوع بتأمل واستعراض حكايات أحمد طلعت مع أنور السادات متمنيا أن تجد فيها المتعة والفائدة، فإلى الغد بإذن الله).