حين تنهار الديمقراطية.. نخب الحكم والجماهير - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حين تنهار الديمقراطية.. نخب الحكم والجماهير

نشر فى : السبت 2 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : السبت 2 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

فى مؤلفه «السلطة والجماهير»، يشبه الفيلسوف والأديب البلغارى الأصل إيلياس كانيتى (ولد فى ١٩٠٤ وحصل على جائزة نوبل للأدب فى ١٩٨١ ورحل عن العالم فى ١٩٩٤) العلاقة بين نخب الحكم والجماهير بالعلاقة المتخيلة فى الكثير من الثقافات الشعبية بين القطط والفئران، نخب الحكم كالقطط التى تسعى إلى تعقب واصطياد فريستها لكى تلتهمها أو لتتلذذ بتعذيبها أو لتمارس ضدها العنف أو لتفرض عليها سلطتها وتحاصرها وتلغى حريتها، والجماهير كالفئران المذعورة دوما من جراء خطر التعقب أو الخائفة من الاصطياد والالتهام والتعذيب أو الباحثة عن مخارج من وضعية الحصار بكثير من التحايل وقليل من المقاومة أو المتماهية مع جلادها والمستسلمة لإرادته.

وإذا كان استدعاء العلاقة المتخيلة بين القطط والفئران وإسقاطها على مضامين وتفاصيل العلاقة بين نخب الحكم والجماهير يعترضه فى الديمقراطيات سيادة القانون التى تضع القيود على فعل النخب وتؤسس لمنظومة مساءلة ومحاسبة وتضمن حقوق وحريات المواطن ويقف فى مواجهته أيضا تداول السلطة الذى يحول دون بقاء ذات النخب حاكمة لفترات طويلة ويحفز المواطن على المشاركة فى الشأن العام، فالثابت أن الفاشيات ونظم الحكم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ ــ والأخيرة هى النظم التى تحكم حين تنهار الديمقراطية أو تتراجع مسارات التحول باتجاهها كما هى الوضعية المصرية الراهنة ــ تعمد لكى تتمكن من السيطرة على الدولة وضبط المجتمع إلى مقاربة العلاقة بين نخب الحكم والجماهير بتطبيقات متنوعة لأفعال القطط والفئران التى يشير إليها كانيتى.

ففى الفاشيات والنظم الشمولية، تتجه نخب الحكم إلى تعقب الجماهير وممارسة العنف الإيديولوجى (تعميم رؤية أحادية للدولة وللمجتمع وادعاء احتكار الحقيقة المطلقة وحجب المعلومة وتشويه وتزييف الوعى العام) والسياسى (إلغاء التعددية والتنافس السياسى وقمع المعارضين بإقصائهم) والمادى (التعذيب والعقوبات السالبة للحرية وعدم اعتبار سيادة القانون) ضدها.

والهدف هو الاستتباع الكامل للجماهير وإدخالها «قفص الطاعة العمياء» أو القضاء على مقومات وجودها الطبيعى والإنسانى إن هى حاولت الخروج من القفص هذا.

أما فى النظم السلطوية والنظم المسخ، وهى عادة لا تمتلك رؤية إيديولوجية واضحة المعالم وتتسم إمكانياتها المؤسسية والتنظيمية بالمحدودية، فتعول نخب الحكم على صناعة بيئة عامة جوهرها التهديد بممارسة العنف والتعذيب والانتقاص من حقوق وحريات الناس الذين يتحولون إلى كتلة الجماهير الصماء التى تلغى وجود المواطن. كذلك تحكم نخب الحكم ضرب الحصار على الجماهير عبر الترويج الصاخب لمقولات «خطر المتآمرين» و«أعداء الوطن فى الداخل والخارج» بهدف تعطيل قدرة المواطن على التفكير الحر ورغبته فى معرفة الحقيقة، ومن ثم إخضاعه راضيا أو صاغرا لأوضاع رديئة فى دولته ومجتمعه.

فى مواجهة الأفعال المتنوعة لنخب الحكم، القطط المتوثبة لتعقب ثم افتراس أو تعذيب أو محاصرة أو ممارسة السلطة على ضحاياها «الجماهير» وإخضاعها، تتنوع أيضا أفعال وردود أفعال الجماهير وصيرورة تحولاتها وتقلباتها.

فى الفاشيات والنظم الشمولية، تبدو جموع المواطنات والمواطنين المتحولة إلى كتلة الجماهير الصماء أقرب إلى سلوك الفئران المذعورة دوما والمستسلمة للخوف من التعقب ومن العنف الإيديولوجى والسياسى والمادى والفاقدة للقدرة على مقاومته أو التحايل عليه. لذلك لا تملك الجماهير إلا الانتظار المتمنى لأن يبتعد عنها إعصار التعقب والعنف، البعض ينتظر فى صخب تأييدى باتجاه نخب الحكم وبتجاهل ضحايا التعقب والعنف بين صفوف الجماهير وبتغييب للضمير ونزع للإنسانية متوقعا زيفا أن فى هذا رفعا لاحتمالات نجاتهم الشخصية أو تقليلا لشعوره بالذعر والخوف، البعض الآخر ينتظر فى صمت تفهمه نخب الحكم قبولا مقنعا ويفهمه هو كالفرصة الوحيدة لعدم التورط فى تبرير التعقب والعنف ومدركا أن الإعصار حتما مصيبة وأن نجاته الشخصية غير ممكنة.

وحين يقترن حضور نخب الحكم فى الفاشيات والنظم الشمولية بصناعة هالة كاريزمية زائفة حول «الزعيم» أو «القائد» أو «الرفيق الأول» أو «السكرتير العام»، قد تتماهى الجماهير المذعورة مع أقوال وأفعال النخب وتقبل دخول «قفص الطاعة العمياء» فى استسلام خاضع وخانع مرحب بالتعقب والعنف كمصير محتوم لا فكاك منه ومعطلة لكافة قدرات الفعل الإرادى ومساحات الاختيار الحر.

أما فى النظم السلطوية والنظم المسخ، كذلك الذى نتابع اليوم فى مصر تطوره وتموضعه فى الدولة والمجتمع، تنزع أغلبية الجماهير مستغلة محدودية الإمكانيات المؤسسية والتنظيمية لنخب الحكم إلى التحايل على التهديد بالعنف والتعذيب والانتقاص من الحقوق والحريات كالفئران التى تبحث عن فرص البقاء بعد تعقبها واصطيادها. يتحايل البعض بالتأييد الفعال لنخب الحكم، إما بتبرير التعذيب والعنف كضرورة أو بالتورط فى تشويه وعى الناس بترويج مقولات زائفة هدفها دفعهم لقبول الحصار المضروب عليهم والمفرغ للعقل وللفكر وللمعلومة وللحقيقة كواقع لا خلاص منه، ومواضع طائفتى المبررين والمتورطين فى تشويه الوعى عادة ما تكون فى المساحتين السياسية والإعلامية.

والبعض الآخر يتحايل بالمشاركة فى تطبيق التعقب والاصطياد على أقرانهم بين صفوف الجماهير وتنفيذ التعذيب والعنف والتمكين لهما، والمشاهد المرتبطة بالعلاقة المتخيلة بين القطط والفئران وبأفعال الفئران هى مشهد الفأر السجان الذى يمارس القمع على أقرانه السجناء ومشهد الفأر السياف الذى ينفذ أحكام الإعدام فى أقرانه ومشهد الفأر البهلوان أو المهرج الذى يسرى عن القطط الحاكمة فى مجالسها ويجعلها تتلذذ بالتعذيب والمهانة الواقعة على أقرانه. ومواضع السجانين والسيافين والمهرجين بين صفوف الجماهير هى مجددا فى قلب مساحتى السياسة والإعلام فى النظم السلطوية والنظم المسخ.

ونفر قليل من الجماهير، مستغلا غياب الرؤية الإيديولوجية الحاكمة عن النظم السلطوية ونظم المسخ وضعف إمكانياتها المؤسسية والتنظيمية، قد ينزع إلى مقاومة التعقب والاصطياد ومواجهة التعذيب والعنف بهدف الفكاك منهما وتغيير ما يروج له كمصير محتوم، وإن كلفهم ذلك هلاكا سريعا أو بعض الأخطار الإضافية. هكذا ثار العبيد على الأسياد، والمستعمرون على المستعمرين، والمظلومون والمقموعون على السلط الظالمة والقامعة، وهكذا ثار المصريون.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات