غسل الأخبار بماكينة تشوميسكى - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الأحد 2 يونيو 2024 1:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غسل الأخبار بماكينة تشوميسكى

نشر فى : الخميس 3 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 3 يناير 2013 - 8:00 ص

ضع اسم المفكر الأمريكى نعوم تشوميسكى على محركات البحث بكل اللغات، وابحث عن أصل لما نسبته وسائل إعلام مصرية له أنه ألقى محاضرة بجامعة كولومبيا تعرض فيها للشأن المصرى وهاجم الإمارات.

 

حاول أن تعرف من أين نقلت هذه الوسائل نص هذه المحاضرة، هل كان لها مراسل هناك؟ أم نقلته وكالة أنباء؟ واسأل نفسك كذلك متى قال تشوميسكى هذا الحديث، وهل قاله بالعربية أم الإنجليزية، وأين النص الإنجليزى للمحاضرة؟ دون أن تجهد نفسك بتحليل مضمون المحاضرة «المنسوبة» للرجل وأنت تسأل هل هذه لغته ومصطلحاته وطريقة تفكيره؟

 

تعرف قطعاً أن هناك أزمة حقيقية بين جماعة الإخوان المسلمين كتنظيم وبين دولة الإمارات، أو مسئولاً فيها، وهى أزمة استمرت حتى انعكست على العلاقات بين الدولتين، ووصلت ذروة تأزمها بالقبض المتعسف على مصريين هناك بحجج أمنية لا يمكن تبريرها أو تصديقها.

 

وسط هذا المناخ تم إخراج «تشوميسكى» ليكيل الاتهامات لدولة الإمارات من العمل مع الموساد إلى العداء لكل الثورات العربية.

 

تخضع أنواع من الأخبار لعمليات غسل مثلها مثل الأموال التى لا تعرف مصدرها؟

 

الأخبار أيضا تحتاج دائما إلى شرعية، حتى تحوز مصداقية محددة، وشرعية الخبر فى مصدره المعلن، سواء كان هذا المصدر تصريحا من شخص، أو حدثا معلوما، أو وثيقة، أو ناقلا صحفيا من «الثقات».

 

فى عالم السياسة والمخابرات تحديدا هناك أخبار يجرى غسلها، كأن تقرأ خبرا عن قدرات الردع النووى الإسرائيلية، فى صحيفة إسبانية، تنقله وكالة أنباء يابانية، ثم تنشره مجلة تركية، وأخيرا تذيعه محطة فضائية عربية، لينتهى بترسيخ ما فيه من معلومات فى ذهن المتلقى العربى، أو يصل برسالة ما لصانع القرار العربى، بعيدا عن أى ظهور إسرائيلى فى مسار الخبر المنشور منذ خروجه فى أقصى الغرب إلى استقراره فى المنطقة العربية.

 

هى لعبة باتت تستخدم بكثافة فى مصر، خاصة مع تزايد التنافس السياسى، وتصاعد الاهتمام بالشبكات الاجتماعية على الإنترنت، التى أصبحت مجالا مفتوحا بلا رقيب لتسريب الأخبار أو الشائعات، وهى درجة محدودة من«الغسل» لكن الدرجة الأعلى كما قلت لك هى استخدام وسائل إعلام معتبرة لنقل الخبر.

 

فى بداية الثورة المصرية راجت قصة عن رسالة للزعيم الأفريقى نيلسون مانديلا لثوار مصر وتونس دعا فيها للتسامح والتصالح مع الماضى، احتفى بعض وسائل الإعلام بالرسالة، لكن مكتب مانديلا نفاها فى اليوم التالى.

 

«الرسالة المنسوبة لمانديلا» نشرتها جريدة «موريتانية» ثم التقطتها مواقع عربية ومصرية، وظلت تتنقل حتى وصلت إلى صحف مطبوعة ومحطات فضائية ذات اعتبار وسمعة ومصداقية.

 

استخدمت أطراف منسوبة للأنظمة السابقة فى مصر وتونس، اسم مانديلا للترويج لمصالحة تمنع عنهم الحساب والمساءلة، والأرجح أن أطراف معادية للإمارات أو تحاول أن تؤجج الأزمة أكثر بينها وبين مصر.. تستخدم اسم تشوميسكى للطعن به.

 

وكما سارعت وسائل إعلام معتبرة للاحتفاء برسالة مانديلا، سارعت أخرى للاحتفاء بمحاضرة تشوميسكى، وكما ثبت أنه لا توجد رسالة من مانديلا، الثابت أنه لا توجد محاضرة لتشوميسكى، لكن المؤكد أنه مازال أمام إعلامنا الكثير من الجهد ليحقق فضيلة «الدقة» وسط الكثير من الفضائل المهنية الغائبة.

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات