أسوأ ما حدث خلال العامين الماضيين، ان الكثير من الاحداث مرت، دون ان نعرف حقيقتها، أو من المتسبب فيها، وبالتالى ظلت كل هذه الاحداث تلقى باتهاماتها على الجميع دون ان تبرئ او تتهم اى طرف، رسمى أو غير رسمى، وبقيت مثل الالغاز عصية على الحل، فيما يعتقد الجميع، انها احداث ومرت، وانها امور طبيعية تحدث عادة عقب الثورات، وان الزمن كفيل بتبديد آثارها، والأسوأ من ذلك ان هذه الاحداث استطاعت تكرار نفسها وبنفس السيناريو، وللأسف كانت ردود الأفعال عليها هى نفسها، وكأن الجميع ارتاح للفكرة او استسهلها وتقبلها، واحيانا يبدو ان هناك تواطؤا واستفادة من توزيع الاتهامات على الجميع.
وفى مقدمة هذه الألغاز التى تركناها من دون حل، ولم نبذل اى جهد لفهمها، حكاية الطرف الثالث، فكل الاطراف اتفقت على ان هناك طرفا ثالثاً (غيرها بالطبع) يقتل ويدمر ويشعل الاحداث، وفقط تم توزيع الاتهامات على عدة جهات دون حسم، وطالت هذه الاتهامات، الشرطة والجيش والاخوان وبقايا الحزب الوطنى وثواراً وبلطجية وأطرافا خارجية، ثم ارتاح كل فصيل لاتهام طرف بعينه، ويستخدم هذا الاداء فى ممارساته السياسية، فضاعت الحقيقة وتاهت، دون ان يدرك احد مخاطر، فرار المتهمين، على مستقبل الثورة، بل مستقبل البلد نفسه.
وربما كان الامر مقبولا، بعض الشىء فى ايام الثورة الاولى، او يمكن قبوله حتى نهاية المرحلة الانتقالية على اساس أن الدولة كانت تعانى من سيولة، وان من كان يدير شئون البلاد لا يمتلك خبرات ذلك، او انه هو المتهم نفسه، لكن ماذا بعد تحقيق الشرعية القانونية بانتخاب رئيس يمارس صلاحياته الدستورية كاملة، أليس ذلك فى مقدمة مهامه، ومن اصيل واجباته، ام اننا مازلنا، بالفعل، تحت رحمة الطرف الثالث القادر على فعل كل شىء طوال الوقت دون أن يستطيع احد الايقاع به، او حتى تحديد هويته.
وما حدث فى مدينة المنصورة خلال الايام السابقة، يكشف عن ذلك: إلقاء حجارة وضرب مولوتوف، ثم رد بقنابل غاز يتبعها اصابات بالخرطوش.. الثوار والغاضبون يؤكدون انهم لا يلقون الحجارة ولا يقذفون المولوتوف، والشرطة تؤكد ان افرادها لا يملكون طلقات الخرطوش من اساسه، واذا وافقنا على كل ذلك، فمن الذى يملك الحجارة والمولوتوف والخرطوش؟ الاجابة السهلة والمكررة، بل والمنطقية، طرف ثالث يستفيد من ذلك.
إذن، هى نفس قصة محمد محمود الاولى والثانية ومجلس الوزراء، إلى آخره من احداث كانت فيها البطولة المطلقة للطرف الثالث، الجديد هذه المرة، ان البلد له رئيس شرعى منتخب مسئول هو واجهزته التنفيذية، واصبح لزاما عليهم تحديد الطرف الثالث الذى عاد بكل قوة فى المنصورة، بعد ان كان بطل الاحداث فى بورسعيد والمحلة وطنطا والشرقية والاتحادية..
فى مصر دولة، ورئيس يقول انه يقف بالمرصاد لمن يعطل مسيرة الثورة، فليس من الأولى أن يقف فى وجه من يقتل الثورة نفسها؟