التضحية بمبارك لكى يعود نظامه - وائل قنديل - بوابة الشروق
الأربعاء 25 سبتمبر 2024 3:34 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التضحية بمبارك لكى يعود نظامه

نشر فى : الأحد 3 يونيو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأحد 3 يونيو 2012 - 8:25 ص

أفضل ما فى هذا الفصل الذى لن يكون الأخير فى مسلسل محاكمات نظام مبارك هو السطور الأولى من مقدمة الحكم، وليس منطوق الأحكام.. وبصرف النظر عن الركاكة اللغوية والأخطاء النحوية التى لا يقع فيها طالب مبتدئ، فقد أقر القاضى بشرعية ثورة ٢٥ يناير، واعترف بفساد ثلاثين عاما من حكم المخلوع حين وصفه بأنه أسود أسود من اسوداد ليل الشتاء.

 

هذه السطور الافتتاحية حركت الدموع فى أعين المترقبين للقصاص للشهداء، وهزت مشاعرهم وأيقظت آمالهم فى الحصول على حقوقهم، غير أن منطوق الأحكام جاء صادما ومفجرا لدوامات من الحزن والأسى.

 

لقد جاءت الأحكام متطابقة مع ما ذهبت إليه صحيفة الاندبندنت البريطانية قبل عدة أشهر حين قالت إنهم ضحوا برأس النظام لكى يحافظوا على النظام كله، جسدا وروحا، وعلى هذا النحو صدر الحكم على مبارك والعادلى بالمؤبد، لكنه قال لباقى المتهمين «اذهبوا فأنتم الطلقاء» وعليه فهو حكم ضد الثورة وإن كان قد غازلها ودغدغ مشاعرها فى مقدمته.. ومؤداه ببساطة أن يمهد الطريق لعودة ماكينة نظام مبارك للعمل بأقصى طاقتها، وكل ما حدث أن ملكية الماكينة انتقلت من الرجل الكبير إلى أبنائه وصبيانه، ومن الممكن بعد أن تستتب الأمور لهم ويحكمون قبضتهم على البلاد مرة أخرى أن يخرجوا كبيرهم الذى علمهم الفساد والاستبداد.

 

إنها لحظة الحقيقة جاءت لتضع الجميع أمام اختبار حقيقى: هل أنتم جادون حقا فى الذود عن هذه الثورة وإنقاذها من الوحوش العائدة بحكم القضاء؟

 

هل مازلتم تذكرون روح الميدان وتحتفظون بملامح الشهداء الذين صعدوا إلى السماء لكى يطهروا ويصلحوا حياتنا على الأرض؟

 

السؤال موجه بالأساس إلى جماعة الإخوان المسلمين ومرشحهم للرئاسة الدكتور محمد مرسى، وبعد ذلك إلى القوى الوطنية التى شاركت فى صياغة ومحاولة تحقيق حلم الثورة: ها هى جحافل الفلول العائدين تحتشد وتنظم صفوفها لاستعادة ما كان، فهل أنتم مستعدون للتضحية كى لا نخذل أرواح الشهداء ونستنقذ الحلم من بين براثن الضوارى؟

 

إن جماعة الإخوان والجماعة الوطنية مطالبون بتقديم الدليل العملى على أنهم حريصون بالفعل على المقاومة، وراغبون قولا وعملا فى التصدى لحركة التاريخ العكسية، وعليه يجب أن تتوارى هذه الأصوات التى تمارس نزقا سياسيا يقترب من حد ارتكاب جريمة الدعاية المجانية للثورة المضادة.. ولا معنى لحديث رموز إخوانية عن ابتزاز تمارسه قوى وطنية ضد الجماعة سوى أن الإخوان إما أنهم غير جادين فى خوض معركة الرئاسة، أو أنهم يتوهمون أنهم فى غير حاجة إلى بقية الشعب.. وفى الحالتين فإنهم يقدمون دعما غير مباشر، وربما مباشر لمرشح الثورة المضادة.

 

ولن يضير الإخوان فى شىء إن هم قدموا للقوى الوطنية ما يطمئن الجميع على مدنية الدولة، وعدم الاقتراب من هويتها، وأن الكل شركاء فى إدارة شئون الوطن المهدد بانتكاسة عاتية.. كما لن تخسر القوى الوطنية شيئا إن هى قلصت مساحات سوء الظن فى تعهدات الإخوان.

 

لقد التقط الفلول الثغرة الخطيرة فراحوا يطرحون أنفسهم على أنهم حماة مدنية الدولة، على الرغم من أنهم أبعد ما يكونون عن المدنية، لكنهم يبيعون هذه البضاعة الكاذبة للبسطاء ونفر من المثقفين أعلنوا بوضوح أنهم مهيئون للتضحية بالثورة مقابل المدنية.

 

وحين يصل الأمر بابنة زعيم الثورة الأولى للانحياز إلى معسكر خصوم الثورة الثانية فنحن أمام كارثة أصابت الوعى والضمير الوطنى، بحيث صارت ثأرات الماضى مقدمة على اختيارات المستقبل.

 

وأزعم لو أن جمال عبدالناصر بيننا الآن لنزل إلى ميدان التحرير معتذرا للثوار وأهالى الشهداء.

وائل قنديل كاتب صحفي