انتقل الرسول [ إلى الرفيق الأعلى وكان المسلمون جميعا يقرأون القرآن كما هو الآن دون أدنى خلاف، والقرآن يقرأ كل يوم صباح مساء فى المساجد وفى حلقات التعليم والتثقيف، ونظرا لأن الحفظ والتذكر عمل ذهنى لا يقدر عليه إلا أصحاب «قدرات خاصة»، وشاءت الأقدار أن تكون معارك الردة نقطة تحول فى تفكير الأمة.
فهاهم بعض الصحابة يقترحون ضرورة تدوين (أى جمع القرآن كله فى ديوان واحد) (فى كتاب واحد) ونظرا لموت كثير من حفظة القرآن وأخذ الاقتراح حقه من المناقشة بين «مؤيد ورافض ومتوقف» حتى انحاز الجميع إلى صواب (الجمع فى مدونة واحدة) وعلى ملأ من الجميع قام «أبوبكر الصديق» بتكليف الصحابى «زيد بن ثابت» أن يرأس جماعة ممن بقى من كتاب الوحى ليوثقوا «نسخة» تحظى بإجماع الكتبة والحفظة حرصا على سد أبواب التنازع وإدعاء الانفراد بحفظ آية أو أقل أو أكثر.
فالصحيح أن يقال كتب القرآن كله تحت سمع وبصر الرسول وأن ما قام المسلمون به فى عهد أبى بكر الصديق كان تدوينا فقط أى تجميعا للقرآن فى ديوان واحد فى ورق متساوى الحجم لا أكثر.
(2)
أما ما فعله «عثمان بن عفان» فهو إعادة نشر ما تم جمعه كما هو، فى ست نسخ بدلا من نسخة واحدة، وذلك تيسيرا على المسلمين فى الشرق والغرب بإتاحة نسخة مكتوبة من القرآن، ولأن جميع النسخ كتبت فى صحف ورقية فسماها الناس «المصحف»، وأحرق عثمان أوراقا وصحفا كان فى كل منها بعض القرآن لا كله، خشية الظن أن تلك الصحف «الأجزاء» هى كل القرآن، كما أن بعض الناس كان قد وضع حول أوراقه علامات خاصة به، أو تفسيرات أراد الاحتفاظ بها، فخشى عثمان والصحابة معه من القيل والقال حول المصحف.
(3)
والمصحف العثمانى (الذى كتب بأمر عثمان بن عفان) كان خاليا من النقط والحركات إلا أن اتساع الأمة ودخول بلاد كثيرة فى الإسلام فرض على الأمة تيسيرات أخرى فى رسم كتابة المصحف منذ الدولة الأموية وحتى بداية عصر طباعة المصحف، فقد مر رسم المصحف وشكله بثلاث إضافات نذكرها:
أولا: مر بمرحلتين وهى إضافة علامات الإعراب (الفتح/ الكسر/ الضم) وأول من قام بهذا الجهد التابعى المشهور (أبوالأسود الدؤلى) الذى اقتنع بضرورة وضع علامات تميز المجرور من المنصوب من المرفوع، فاستعمل مدادا (حبرا) ذا لون مخالف للون كتابة المصحف، وكان ذلك قبل تنقيط حروف المصحف، لذلك رأى أبوالأسود وضع نقطة حمراء فوق الحرف «للفتح»، وإلى جانب الحرف «للضم»، وتحت الحرف «للكسر» حتى تم تشكيل المصحف جميعه.
ثم تطور التشكيل على يد نصر بن عاصم بدعم من الحجاج حتى لا تتشابه نقط التشكيل مع نقط الإعجام (تمييز الحروف) فوضع نصر بن عاصم الفتحة «ألف أفقية» حيث أن الفتح يشبه «الألف»، وجعل الضمة «واوا صغيرة» لأن الضم يشبه صوت «الواو» كذلك فالكسر يشبه صوت «الياء» فجعلها «ألفا أفقية» من تحت الحرف.
ثانيا: التنقيط ونقصد به وضع نقط تميز الحروف المتشابهة فيما بينها مثل (ب، ت، ث،..) فى عصر «عبدالملك بن مروان» وبتوجيه إلى الحجاج بن يوسف الثقفى والى العراق خشية اللحْن «خطأ النطق» فى القرآن، وكان الحجاج يتميز بحفظ القرآن واتقانه لدرجة إحصائه لعدد حروف القرآن كما أن العراق كان معقلا للثقافة الإسلامية فى ثلاث عواصم (البصرة/ الكوفة/ بغداد).
ثالثا: تجزىء المصحف إلى أجزاء وأحزاب وأرباع ليسهل على المعلم والمتعلم تحديد أول الدرس وآخره، وذلك أمر تولاه أيضا الحجاج بن يوسف الثقفى.