سيد شباب أهل المهنة - وائل قنديل - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 7:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيد شباب أهل المهنة

نشر فى : الخميس 3 سبتمبر 2009 - 10:21 ص | آخر تحديث : الخميس 3 سبتمبر 2009 - 10:21 ص

 عن 67 ربيعا رحل الصحفى الشاب محمود عوض، سيد شباب أهل مهنة الصحافة، وضميرها الذى لم يعرف إغفاءة واحدة أمام بطش السلطة، أو إغراء الشهرة، أو إغواء الثروة التى طالما دقت بابه فلم يفتح لها أو يسمح لها بالدخول لتعربد فيما يكتبه أو تلوثه.

لم يسع يوما إلى مكان على طائرة الرئاسة، ولم يحلم بكرسى فى موقع بارز بشارع الصحافة، ولم يقف فى طابور انتظار عطايا النظام، بينما من الآخرين من قضى نحبه منتظرا إشارة بطرف إصبع الحكومة ليجلس فى حجرها المبتل برغبات السابقين من المشتاقين والمتطلعين لرضاها.. ومنهم من لايزال ينتظر.

هو ليس فقط عندليب الصحافة كما أطلق عليه إحسان عبدالقدوس، بل هو كروان المهنة الذى يصدح قبل أول ضوء للنهار لإيقاظ ضميرها وتحصينه ضد فيروسات السقوط والانكسار.

معتصما بقلمه وموقفه الثابت فقط قطع محمود عوض رحلته العميقة فى أحراش الكتابة ودروبها الصعبة ضاربا المثل فى كيفية العيش بكرامة وانتصاب القامة طوال العمر، لم يضبطه أحد متلبسا بانحناءة أمام جبروت أو ريح عاتية، ومن ثم لا فرق بين مضمون وحيوية مقال كتبه فى شرخ الشباب وآخر نشره فى المربع الأخير من ميدان الركض المهنى.

أجمل ما فيه أنه لم يصب بميكروب حكمة الشيوخ، الشعار البراق الذى اقترف كثيرون تحته خطايا التحولات والتبدلات فى المبادئ والمواقف والأفكار، عاش ومات كما هو محمود عوض، روح الكتابة الصحفية بأناقتها ورشاقتها وحرارتها التى لم تخمد أو تنطفئ.

لم يسقط فى حجر رجل أعمال، أو وزير ينشئ له صحيفة يهش بها على غنمه أو ينافح بها عن الحظيرة وله فيها مآرب أخرى، قضى العمر يأكل ويشرب من عرق قلمه، وما أروعه من قلم لم يتلوث يوما بخطيئة كتابه غير ما يعتقد ويرى أنه الحق والصواب.

لم أقرأ اسمه يوما فى كشوف منح التفرغ أو طلب العلاج على نفقة الدولة أو قوائم المرشحين لجوائز الدولة التى أعطيت لمن لا تصل قاماتهم إلى نعل حذائه.

شخصيا لم يحدث تعامل مباشر بينى وبين الراحل الجميل إلا مرة واحدة، كان ذلك فى منتصف التسعينيات الماضية حين قررت إذاعة الشرق الأوسط وكانت ترأسها السيدة نادية صالح فى ذلك الوقت إعادة بث مسلسل كتبه محمود عوض ومثله عبدالحليم حافظ وعادل إمام ونجلاء فتحى بعنوان «أرجوك لا تفهمنى بسرعة» غير أن الإذاعة قررت إعمال مقص الرقيب فى المسلسل فأسالت دمه بحجة الحفاظ على الأخلاق والفضيلة الأمر الذى أغضب عوض فاضطر إلى إثارة الموضوع صحفيا، وأسعدنى زمانى بأن نشرت تحقيقا فى صحيفة «العربى» عرضت فيه الأجزاء المحذوفة وتعليق المؤلف عليها، وكم كان الرجل متحضرا وراقيا بعد النشر، ذلك أنه اتصل بى، ليقول لى إن سعادته بالطريقة التى كتب بها الموضوع أكبر بكثير من سعادته بأن هناك من دافع عن حقه فى أن يصل ما أبدعه للناس دون تشويه أو حذف.

رحم الله محمود عوض، وليرحمنا من هؤلاء «الآخرين».

wquandil@shorouknews.com

وائل قنديل كاتب صحفي