فى عام 2016، سوف يجرى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء التعداد العام، الذى يجريه كل عشر سنوات، وهو مهمة مكلفة وشاقة، يشارك فيها الآلاف من موظفى التعداد بزيارة جميع الأسر فى مصر، من أجل ملء استمارات التعداد بما يقدم صورة أساسية عن جميع أفراد الأسرة والظروف السكنية. وقد تم اعداد استمارات تعداد مصر لعام 2016، ونأمل أن تتيح لنا فهما أفضل بشأن الأحياء غير المخططة ( العشوائية ) فى مصر.
يعتبر التعداد الفرصة الوحيدة لفهم حالة جميع السكان. وللأسف لم تصل التعدادات السابقة إلى جميع سكان المناطق العشوائية فى مصر، ورغم أنه كان هناك تحسن مستمر فى تقديرات الأرقام بين تعداد وآخر، فإنه تم إغفال الكثير من سكان العشوائيات فى تعداد عام 2006. ويعتقد بعض المراقبين المطلعين أن تعداد عام 2006 أغفل ما يقارب ثمانية فى المائة من سكان مصر. بصرف النظر عن الرقم، فالمؤكد أن مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، ممن يعيشون فى الأحياء العشوائية قد سقط ذكرهم، وهناك أمثلة واضحة فى التعداد الأخير. فى عام 2016، نأمل أن تتيح تكنولوجيا نظم المعلومات الجغرافية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء إجراء تعداد أكثر دقة.
•••
نحن نعلم الآن، أن المناطق غير المخططة فى مصر تسود مناطقنا الحضرية. وأوضح أحدث تقدير لحجمها فى القاهرة الكبرى عام 2006، أن الأحياء العشوائية تضم ما يقرب من 65٪ من سكان المدينة، وينمو عدد سكانها بمعدل نحو ستة أضعاف معدل نمو عدد سكان الأحياء المخططة فى القاهرة. ويعتبر طرح هذه الأرقام مجهودا جديرا بالإعجاب من قبل الباحثين الذين استطاعوا استخلاصها من بيانات التعداد التى لا تخبرنا إذا كان الحى المعنى من الأحياء المخططة أو غير المخططة .
أما اليوم، فلدينا الصورة العامة، ونعرف أن مصر تضم أكثر من ألف من الأحياء غير المخططة، ولكننا لا نعرف عددها بالضبط، ونعلم أن القاهرة الكبرى تضم وحدها أكثر من مائة حى عشوائى، لكن لا نعرف أيضا عددها بدقة. كما نعلم أن هذه الأحياء تؤوى معظم سكان المدينة، لكننا لا نعرف عدد سكانها بالتحديد. ونعلم أيضا أن عدد سكانها يرتفع بسرعة من سبعينيات القرن الماضى، لكننا لا نعرف مقدار الزيادة بين كل تعداد والتعداد الذى يليه. ونعلم أيضا أنها تضم مستويات اجتماعية متنوعة، فيسكنها الفقراء وكذلك أبناء الطبقة الوسطى، ولكن ليس لدينا أى فكرة عن نسبة من ينتمون لكل من الطبقتين. كما نعلم أنها تفتقر إلى المرافق التعليمية، ولكن لا نعرف التأثيرات الناتجة عن هذا النقص. ونعتقد أن مستويات معيشتهم أسوأ من مستوى المعيشة فى الأحياء المخططة، ولكن إلى أى مدى؟ وتقوم وزارة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات، التى أُنشئت حديثا، ببذل جهود كبيرة لفهم الوضع القائم فى المناطق غير الآمنة، ولكنها جزء محدود فقط من مشكلة الأحياء غير المخططة فى مصر.
وهذا هو لب الموضوع، ليست لدينا بيانات دقيقة. ولعل تعداد 2016 أفضل رهان لدينا للحصول على بيانات جيدة. واذا ضاعت منا هذه الفرصة، علينا أن ننتظر حتى عام 2026. ويمكن عن طريق إضافة خانة واحدة فقط لاستمارة التعداد ـ توضح ما إذا كانت الأسرة تقيم فى حى من الأحياء المخططة أو غير المخططة ـ أن نفهم على نحو أفضل الأوضاع المعيشية فى هذه الأحياء، وكيفية مقارنتها بالأحياء المخطط لها فى مصر.
•••
ونحن الآن فى لحظة، يمكننا أن نتجاوز فيها الصورة العامة التقريبية إلى صورة أكثر دقة يستخدمها واضعو السياسات لإحراز تقدم فى الظروف المعيشية للسكان. وإذا أمكن إجراء تعديل بسيط فى استمارة هذا التعداد، سوف نستطيع معرفة كم من الناس يعيشون فى المناطق العشوائية بالضبط، ومدى تنوعهم، وأين المناطق التى تفتقر إلى البنية التحتية، وكم عدد من يسكنون مساكن مؤجرة، وعدد ملاك المساكن، وأين تنعدم الخدمات، وأوجه القصور فى البنية التحتية.
ويمكن أن يوفر لنا التعداد المقبل بيانات أساسية جيدة لاستخدامها عام 2026 فى معرفة مدى نجاح السياسات الاجتماعية الحالية بخصوص السكان الذين يعيشون فى هذه الأحياء، وما إذا كانت سياسات الإسكان والتخطيط الحضرى قد ساهمت فى استمرار نموها، أو إذا كانت النسبة بين المناطق العشوائية والمناطق الواقعة ضمن التخطيط قد تحسنت.
ولاشك أن التعداد يمكن أن يتيح لنا معلومات أكثر دقة من شأنها أن تفيد صانعى السياسات فى تحديد ما يتعين القيام به لرفع مستوى معيشة الشعب.
أما اليوم، فلا يعرف الباحثون ولا الجهات الحكومية، تفاصيل المناطق العشوائية فى مصر، وهى التفاصيل اللازمة لتحديد الأولويات المطلوبة، وفى أى حى بالتحديد. ولا شك أن تعداد العام المقبل، مع تعديل طفيف، سيكون فرصتنا لتغيير هذا الوضع.