وزراء القاهرة - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الجمعة 18 يوليه 2025 11:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

وزراء القاهرة

نشر فى : الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 - 7:25 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 3 ديسمبر 2013 - 7:25 ص

من يتابع جهود بعض الوزراء الجادين، سواء فى هذه الحكومة أو حتى فى حكومات سابقة، بما فى ذلك حكومات ما قبل ثورة يناير، سيكتشف بسهولة عمق الأزمة المركزية التى تعيشها مصر، فغالبا ما يجنح هؤلاء الوزراء المجتهدون، للعمل والإنجاز فى العاصمة، أو بتعبير أدق فى مناطق القاهرة الكبرى والتى تضم أيضا جزءا من محافظتى الجيزة والقليوبية، وكأنهم وزراء للعاصمة فقط، فالوزير ينشط ويلف ويدور طوال اليوم من أجلها، وكذلك تتجه معظم سياساته وقراراته، دون أن يلتفت لبقية محافظات الجمهورية والتى هو معنى بها أيضا، فالتفكير فى إصلاح مشروعات قائمة، أو فى إنشاء أية مشروعات جديدة، غالبا يكون فى المناطق التى تجتذب الأضواء واهتمام الرأى العام، ووسائل الإعلام، والمصيبة تتعاظم عندما يكون التخطيط طويل المدى يستهدف أيضا العاصمة، بينما تظل معظم مناطق الجمهورية الأخرى محرومة بالفعل من خدمات أساسية.

هذا التصور الخاطئ، بالتأكيد ليس وليد أيامنا هذه، فمنذ عقود طويلة، والقاهرة هى مصر، والفكرة حقا راسخة فى الذهنية المصرية بشكل عام، حتى إن أهل الريف ومدن المحافظات يطلقون على القاهرة اسم «مصر»، وربما يكون ذلك قد ساعد على تعميق الفكرة وتوطينها عند الدولة ذاتها، التى بات لديها اعتقاد أن من يرغب فى النجاح فعليه كسب ود شعب القاهرة، أما من خارجها فلهم الله، على سبيل المثال، انشغلت حكومات عديدة بإضافة مدن وأراض جديدة للعاصمة، على اعتبار أن النمو السكانى يتطلب ذلك، ونفس أصحاب هذه القرارات يتجاهلون صراحة اعتبارات النمو السكانى فى مدن وقرى المحافظات خارج القاهرة، لذا يندهش البعض من تكون عشوائيات عديدة فى صعيد مصر، بما فى ذلك الوزراء، دون أن يسأل أى منهم نفسه، لماذا تكونت هذه العشوائيات أو ما الذى دفع المواطنين لهذا العذاب الذى يصنعونه بأيديهم.

فى الوقت الذى انشغلت فيه الحكومات المتعاقبة بالتطوير العمرانى فى القاهرة، تجاهلت نفس هذه الحكومات، فعل ذلك فى بقية مناطق الجمهورية، إلا فيما ندر وفى إطار توجهات قومية، غالبا تأتى من رأس الدولة، وقد شاهدنا ذلك كثيرا وطويلا مع الرئيس السابق حسنى مبارك، حيث يذهب المسئولون فى صحبة إعلامية ضخمة عند وضع حجر أساس المشروع الذى طالب به الرئيس، ثم ينسى الجميع ما فعلوه ويتركون وراءهم المشروع طى النسيان، والذى يكون قد أدى ما عليه كحجر أساس أمام كاميرات التلفزيون وعدسات الصحافة، أما المحافظون، فهم لا يملكون من أمرهم شيئا، فكل شىء هناك فى القاهرة حيث السلطة والقرارات والأضواء والنفوذ والفلوس وتحقيق الأحلام والطموحات السياسية والمالية.

الحياة خارج القاهرة صعبة، لكنها أصبحت كذلك لإهمال الدولة، فلو أخدنا محافظة البحر الأحمر، أو جنوب سيناء نموذجا للاستثناء، سنجد أن الحياة الجيدة فى مدن مثل الغردقة وشرم الشيخ، نجحت فى جذب الكثير من المواطنين للعيش هناك، بمن فيهم أهل القاهرة، وربما كانت هذه هى الهجرة العكسية الوحيدة فى تاريخ العاصمة منذ نشأتها، حيث كانت دوما لا تستطيع سوى الاستسلام لاستقبال المهاجرين من الريف إليها، ولو قررت أى حكومة أنها ستتوجه لتغيير وجه الحياة فى محافظات مصر، فأعتقد أنه من لحظة مثل تلك اللحظة سيتغير وجه الحياة فى مصر، ودون ذلك سنظل جميعا فى انتظار انفجار العاصمة التى لن تقوى على خدمات قاطنيها والوافدين إليها، وكذلك سنظل فى حالة مراقبة لازدياد أعداد الفقراء فى كل ريف وحضر لم يسأل عنه السادة وزراء القاهرة.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات