انتهت الدورة الـ ٥١ لمعرض القاهرة الدولى للكتاب على خير وهناك شبه إجماع على أنها واحدة من أكثر الدورات نجاحا على صعيد التنظيم بفضل الإمكانيات التى أتاحتها مؤسسات الدولة فى المقر الجديد الذى يتفوق على مقار المعارض المماثلة فى غالبية دول العالم. ويستحق القائمون على تنظيم هذه الدورة تحية كبيرة على هذا الجهد الفريد.
وجذب المعرض عبر عشرة أيام أكثر من ثلاثة ملايين وربع المليون زائر إلا أن تعامل الناس مع الكتاب لا يزال بحاجة إلى وقفة لتحليل اتجاهات القراءة فى مصر وهى مهمة تحتاج إلى فريق بحثى متخصص لفهم مزاج الجمهور وتوجهاته لكن هذا لا يمنع من تسجيل عدة ملاحظات على ما يجذب القراء من عناوين.
الملاحظة الأولى أن الكتاب المدعوم لا يزال أولوية لدى قطاع واسع من الناس لا تتحمل ميزانيته المنهارة أصلا أى طلب على الكتاب المنتج فى القطاع الخاص وهذا يلزم الدولة بمهمة واضحة وهى ضرورة إعادة النظر فى سياسات النشر وتوجيهها إلى الكتب التى يتجاهلها القطاع الخاص والتى تقع بند (الصناعة الثقيلة) ومنها الكتب المترجمة التى وجدت إقبالا كبيرا أو وتلك الكتب التى يقع نشرها فى باب (الضرورة الثقافية) وتشمل مكتبة الأسرة وبعض إصدارات هيئة قصور الثقافة.
ولا يمنع هذا التوجه من ترشيد النشر الحكومى مقابل التوسع فى تأسيس مكتبات عامة يتم تزويدها سنويا بأحدث العناوين ومثل هذا الإجراء يمثل مقاومة فعالة لعمليات التزوير التى باتت تهدد صناعة الكتاب فعليا كما يساهم تأسيس المكتبات العامة فى تعزيز وجود الناشر الخاص بدلا من الدخول فى منافسة غير عادلة مع الناشر الحكومى الذى يحصل على دعم مباشر من الدولة فى جميع مدخلات الصناعة دون أن يقدم المحتوى المتميز الذى يجعله مستحقا لهذا الدعم.
وأولى بوزارة الثقافة أن تفكر فى سياسة توزيع أكثر فعالية تصل بمنشورات هيئاتها التى وجدت إقبالا كبيرا إلى الأقاليم المحرومة من الكتاب طوال العام.
ومن المثير أن هناك زيادة مضطردة فى إعداد الناشرين وهذه الزيادة تقلق بعض الراسخين فى المهنة؛ حيث تتهم غالبية دور النشر الصاعدة بالتهام الشريحة الأوسع من القراء وهى فئة اليافعين والشباب وتوجيهها ناحية الكتب الخفيفة وأدب التشويق والجريمة أو ما يسمى بأدب البيست سيلر أو الأكثر مبيعا.
ويحاول البعض بروح أبوية ورقابية التسلط على هؤلاء إما بالسخرية من محتوى ما ينشر أو بتحريض الرقابة على هذا المحتوى سواء بالقصد أو بغير قصد إلا أن النتيجة واحدة وهى أن النزعة الرقابية تنبت من داخل أبناء المهنة وليس من خارجها وهى مسألة تحتاج إلى ضبط وترشيد لحماية الحق فى الرأى والتعبير ومما يحسب للمعرض فى هذا السياق أنه نأى بنفسه عن أية مشكلات رقابية أو سياسات مصادرة تقلل من قيمة نجاحه.
لكن أهم ما يحتاج إلى تفكير من وجهة نظرى هو أن الكتب المنشورة طوال العام فى مصر تفتقر إلى الكتاب الذى يمكن وصفه بـ (العنوان الكبير) وهو الكتاب الذى يدفع محتواه إلى إثارة نقاش مجتمعى واسع بالقبول أو الرفض تشترك فيه جميع التيارات الفكرية وهذا الانحسار يقابل بصعود لافت لدور نشر عربية أخرى منها (الجمل) والساقى أو مؤسسات مثل (مؤمنون بلا حدود) تخصصت فى هذا النوع من الكتب ومما لاحظه صديقى الدكتور وائل فاروق الأستاذ بجامعة ميلانو الكاثوليكية فى واحدة من جولاته بالمعرض أن المجتمع المصرى حافل بالظواهر التى تحتاج إلى نقاش وبدلا من تحويل مسألة مثل تجديد الخطاب الدينى إلى (أهلى وزمالك) كان علينا أن نجعلها مناسبة لتشجيع النشر فى مجالات الفقة والفلسفة الإسلامية ونقد التراث وهى ملاحظة مهمة.
ولا أزال إلى اليوم أتذكر ما أثاره كتاب (مفهوم النص) للراحل العظيم نصر حامد أبوزيد أو ما كانت تثيره مؤلفات الأستاذ محمد حسنين هيكل وهذه الملاحظة لا تعنى أن نخبتنا فقيرة بل على العكس من ذلك فلدينا أسماء مهمة فى مجالات النقد الأدبى وعلم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والسياسة لكن ما يقلق فعلا أن إنتاج هؤلاء غير موجود فى سوق الكتاب المصرى ومغيب تماما عن وسائل الإعلام الجديدة.
وبالتالى علينا أن نفكر جميعا فى الإجابة عن السؤال: لماذا غابت العناوين الكبيرة فى مصر اليوم؟