احترام القضاء والعبث به - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الجمعة 14 فبراير 2025 2:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

احترام القضاء والعبث به

نشر فى : الإثنين 5 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 5 مارس 2012 - 8:00 ص

لم يكن أحد يتوقع أن تنتهى قضية المنظمات والتمويل الأجنبى تلك النهاية المثيرة الغامضة.. التى فضحت أوضاعا وعلاقات غير سوية. تورط فيها المجلس العسكرى فيما يبدو بما يمس نزاهة القضاء. وثبت منها أن الدولة العظمى التى تقوم بدور المدافع عن والراعى لقيم الديمقراطية وسيادة القانون، هى أول من ينتهك ويشجع على انتهاك القانون فى اللحظة التى يتعارض فيه مع مصالحها أو يصطدم بنفوذها الاستراتيجى.. كما أنها انتهكت سيادة القضاء الذى كان ومازال من أهم المقومات الأساسية للشعور القومى بالكرامة.

 

ومن المفارقات المدهشة أن تتفجر أبعاد هذه القضية فى نفس الوقت الذى انتهى فيه القضاء الإسبانى من معالجة قضية لا تقل حساسية، تتعلق بطلب تسليم رجل الأعمال الهارب حسين سالم ونجله المتهم بتهريب وغسيل أموال تقدر بالملايين. وقد وافق القضاء الإسبانى بعد شهور طويلة من نظر القضية على قبول دعوى الحكومة المصرية بتسليمه هو وابنه رغم تمتعهما بالجنسية الإسبانية.. وذلك بعد أن أخذ القانون مجراه وقضت المحاكم الإسبانية فى نظر الدعوى مراحل متتالية. ووضعت المحكمة الإسبانية لقرار التسليم شرطين قانونيين: أحدهما إعادة محاكمة حسين سالم وابنه فى القضية أمام دائرة أخرى. والشرط الثانى الذى تتضمنه اتفاقية تسليم المحكومين السارية بين البلدين بالسماح للمتهم بقضاء فترة العقوبة فى إسبانيا أو تخفيفها!

 

هنا تبدو أهمية احترام أحكام القضاء والحرص على تطبيق القانون فى بلد مثل إسبانيا، وذلك على الرغم من الضغوط والمحاولات التى بذلتها مصر فى البداية لتسليم حسين سالم ونجله. ولعلنا نذكر كيف كانت مسألة ازدواج الجنسية التى يحملها حسين سالم وأسرته عائقا فى البداية دون مجرد النظر فى الدعوى. ولكن سيادة القانون فرضت نفسها فى النهاية.. وفى بلد مثل إسبانيا التى انتزعت نظامها الديمقراطى بعد كفاح شاق، لم يكن من السهل تجاهل سيادة القانون واحترام نزاهة القضاء، حتى فى قضية كهذه لا تتعلق بالأوضاع السياسية والمصالح العليا لإسبانيا. وهناك جانبان فى القضية التى تخصنا لا يمكن تجاهلهما للإحاطة بتعقيدات للمشكلة قد لا تبدو واضحة للعيان. الجانب الأول: هو طبيعة العلاقات المركبة بين المؤسسة العسكرية المصرية والبنتاجون والتى امتدت لسنوات طويلة من التعاون فى مجالات التسليح والمساعدات العسكرية والتدريب، طبقا لاتفاقيات تعاون مشترك نتيجة معاهدة كامب ديفيد. وهو ما أدى إلى وجود قنوات اتصال بين الجانبين كانت سببا فى دخول البنتاجون طرفا فى الدفاع عن مصالحه مع الكونجرس، الذى صعد من تهديداته فى التلويح بقطع المساعدات. وطبقا لمصادر موثوقة فى العاصمة الأمريكية، «لم يكن البنتاجون راغبا فى الاستمرار فى الخلاف مع الأغلبية الجمهورية حتى لا يتحول الأمر إلى مواجهة لا لزوم لها إذا استمر احتجاز المواطنين الأمريكيين فى القاهرة».

 

يرتبط بذلك مباشرة ما أوردناه بالأمس من أن عمل المنظمات الأمريكية ذات الصبغة السياسية بات معلقا بما سوف يحدث للمنظمات الأمريكية التى تعمل فى القاهرة إذا استمر منع سفر المواطنين الأمريكيين. وهو ما ضاعف من شدة الهجوم على إدارة أوباما وسياساتها فى الشرق الأوسط.

 

ولابد من الإشارة هنا إلى أن التخبط فى إدارة الأزمة من جانب مصر، ما أدى إلى إطالتها.. إذ كان من الممكن فى وقت مبكر رفع الحرج السياسى لو طلبت الحكومة المصرية من موظفى هذه المنظمات مغادرة مصر بهدوء، أو أصرت مصر على تصحيح أوضاع هذه المنظمات طبقا للقوانين المصرية.

 

ولكن حدث العكس.. وكما فى حالات سابقة انتظر المسئولون حتى اللحظة الأخيرة. وتركوا للقضاء مهمة تصفية المشكلة على أساس أن القرار النهائى ــ كما كان الحال أيام مبارك ــ يظل فى يد السلطات العليا. وقد استسلمت هذه السلطات لحملات الاستفزاز والكيد التى اختلطت فيها معايير الدفاع عن منظمات مصرية تعمل فى مجال حقوق الإنسان بالتعاون مع المنظمات الأمريكية، مع إدعاءات السيادة واستقلال القرار المصرى الذى كان نظام مبارك قد تخلى عنه منذ وقت طويل. وظنت بعض التصورات الساذجة فى وسائل الإعلام المرئى والمطبوع أن الذنب يقع على الوزيرة فايزة أبوالنجا، دون إدراك لخلفيات العلاقات المعقدة القائمة بين البنتاجون والمؤسسة العسكرية المصرية. وقد جاءت اللحظة الحرجة حين تسلم الكونجرس مقترحات الموازنة العامة الجديدة التى تضمنت قرابة 1.5 مليار دولار من المساعدات الخارجية لمصر، من المقرر أن تبدأ لجان الكونجرس فى مناقشتها، بينما تجرى محادثات القروض المتوقعة مع صندوق النقد الدولى. وفى «لهوجة» أو عجلة غير مدروسة، امتدت الأصابع الغليظة إلى منصة القضاء لتستبق قرار القاضى بمنع حظر السفر عن العملاء الأمريكيين دون تفكير فى العواقب.. وهنا نرى الفرق بين دولة تحترم سيادة القانون ودولة لا تعرف غير العبث بالقانون!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات