في ظل أوضاع مأساوية أنت تعلمها وغارزُ فيها حتى والدة رأسك، صدقني ليس الأمل وهما على الإطلاق، الأمل هو السبيل الوحيد، ولكن أي أمل؟، فقط الأمل المبني على المقاومة، على إحساس الإنسان أنه لم يعد لديه مايخسره، على إدراكه أنه يجب ألا ينتظر الآخرين وأن يبدأ بنفسه، على يقينه بأنه سيدفع ثمن صمته وخنوعه وإستسلامه وسكوته على ضياع حقه، سيدفع الثمن على أيدي مخبر باطش أو زميل عمل فقد صبره أو شريك حياة مهزوم أو حتى صحة إنهارت بعد أن فقدت قدرتها على مقاومة فساد كل ماتأكله وتشربه وتشُمُّه، والأهم من كل ذلك الأمل المبني على ذكاء الإنسان وإدراكه لواقعه وعمله على مساحات كثيرة يتيحها الدستور والقانون، ويتركها الناس فارغة فقط بسبب خوفهم وعجزهم وإنتظارهم أن يحدث التغيير العظيم الذي لا يحدث أبدا لأن الجميع يكتفي بإنتظاره.
قبل أن تسألني كعادتك عن الحل، إسأل نفسك أولا عن المشكلة، ماهي مشكلتنا الحقيقية؟، لو قلت لي أن مشكلتنا في هذا الشخص أو ذاك فأنت واهم، حتى لو كانت كل مشاكلنا ومصائبنا تتجسد في أولئك الأشخاص لدرجة تجعلنا نتوهم أنها ستزول بزوالهم، فعلناها قبل ذلك كثيرا، ثم أخذنا جميعا نردد «رُبّ حاكم كنتُ فيه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه».
مشكلتنا بإختصار أن مصر لم تعد للمصريين جميعا، صارت فقط للقادرين والواصلين والمتنفذين والمسنودين والواصلين إلى طرق القادرين والواصلين والمتنفذين والمسنودين، هل لديك سلطة؟، هل لديك مال يوصلك إلى عديمي الضمائر في السلطة؟، هل لديك مايجعلك تصبح في خدمة وحماية من لديهم سلطة أو لديهم مال؟، إذن أنت في نعيم مقيم، أما إذا لم تكن كذلك فأنت إذن تعاني مايعانيه الغالبية الساحقة من المصريين من إهدار لحقوقهم وإمتهان لكرامتهم في المستشفيات والمدارس الحكومية وأقسام الشرطة والوظائف الرفيعة التي لم يعد أبناؤهم يحلمون بنيلها لأنها صارت محجوزة سلفا لذوي الوجاهة واللياقة الإجتماعية الذين كنا نناديهم زمان قبل الثورة بأصحاب الأعيان والأطيان، وها نحن بعد كل هذا الوقت من الثورة نراهم وقد نالوا حصانات وإمتيازات لم يكونوا يحلمون بها، أهمها أنهم صاروا منزهين من المساءلة ومعصومين من المحاسبة، وبحكم القانون الذي قد يسأل أحيانا من أين لك هذا، لكنه لن يسأل أبدا ولماذا لم يحصل إبن الفقير على هذا المنصب وحصل عليه إبن البيه؟.
هذه هي المشكلة، وتغييرها لن يأتي على أيدي المُنَظِّرين وإن حسنت نواياهم، سيأتي على أيدي المتضررين وحدهم، هؤلاء الذين أغلقت في وجوههم أبواب الأمل يجب أن يفتحوها لأنفسهم، يجب أن ينسوا تلك الخرافات والخزعبلات التي توارثوها جيلا بعد جيل بأن مصر ستظل دائما محروسة بالأولياء الذين سيوصلون إلى كراسي الحكم مستبدين ينشرون العدل بين الناس، وأنهم لن يدفعوا ثمن صمتهم وخنوعهم، وأن حقوقهم جايه لهم لحد عندهم، وأن يدركوا أنه حتى لو كان الله عز وجل قد أكرم مصر بذكرها في القرآن دونا عن غيرها من الدول فإن ذلك لن يعني أنه سيغير سُنَنَهُ من أجلها، وسيظل دائما لا يُغَيِّر مابقوم حتى يُغَيِّروا ما بأنفسهم، وسيظل ينتظر من العبد أن يسعى لكي يسعى معه، وستظل أبواب خيراته مفتوحة فقط للذين يتفكرون ويتدبرون ويعقلون ويؤمنون الإيمان الذي يدفعهم للعمل والتغيير، وليس للتنبلة والتكفير والتخلف والطرمخة.
كل الأشياء في مصر اليوم تعمل في خدمة أرباب النفوذ، أنا نفسي، هل أبدو لك شجاعا لأنني مسنود على نجاحي، متهيأ لك، يمكن ببساطة أن تجدني مسحولا في أي لحظة تحت أقدام من لم يتعلم ربع ماتعلمته ولم يجتهد مثل ما إجتهدت ولم يعمل كما عملت، بقائي ناجحا ومتحققا يعتمد فقط على ظروفي وليس على حقوقي، وأنت مثلي مهما كانت درجتك العلمية أو نجاحك المهني أو ما حققته من كسب مادي، إذا لم يكن لديك نفوذ فلا حصانة لكرامتك ولا لحريتك، ولا أمل لي ولا لك ولا لأحد من السكان الأصليين لهذه البلاد إلا بأن نتكاتف سويا لكي نعيش في دولة يسودها العدل وتكافؤ الفرص، يتساوى فيها إبن البواب مع إبن الوزير وبنت الشغالة مع بنت الهانم في الحقوق والواجبات التي تمنحها الدولة، مثلما يحدث في أي دولة متقدمة لم يتحقق التقدم فيها بالأحلام ولم يهبط عليهم العدل من السماء، بل صنعوه بأيديهم ودفعوا ثمنه فحق لهم أن يهنأوا به الآن.
ونحن أيضا يجب أن نصنع ذلك بأيدينا: بالإلتفاف حول الدكتور البرادعي ومن شابهه من المخلصين المستنيرين «النُضاف»، بتقوية الأحزاب السياسية الشرعية التي يقودها المحترمون أو بالإشتراك في مؤسسات العمل الأهلي التي تنشر التنمية وليس الشحاتة، بالقراءة والوعي والشعر والمعرفة والفن والغناء و»الشقا على أكل العيش» والكوميديا وقصص الحب الطموحة والدراما والصياعة المنضبطة وتحويل الدين إلى روح وسلوك وأخلاق، وقبل ذلك وبعده بالبعد عن كلمة ياريت التي للأسف لم نصدق أجدادنا عندما قالوا لنا أن كلمة ياريت عُمرها ماعَمّرت بيت.
(لست متشوقا لمعرفة رأيك في السطور التي قرأتها الآن بقدر ما أنا متشوق لإخبارك أنها نُشرت من قبل في صحيفة المصري اليوم بتاريخ 26 يوليو 2010، وأتمنى أن تكون قد وجدت فيها إجابة للسؤال الذي تسأله لنفسك الآن كثيرا وكنت تسأله لنفسك قديما: هل إلى خروج من سبيل؟، للأسف لا زال السؤال نفسه ولحسن الحظ لا زالت الإجابة هي ذاتها: الأمل والعمل وحدهما سبيل الخروج).
belalfadl@hotmail.com