شهر العسل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 8:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شهر العسل

نشر فى : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 5 يناير 2013 - 8:00 ص

كأن عمنا الكبير، نجيب محفوظ، كتب لأحفاده هذه القصة الجميلة، العميقة المغزى، بأسلوبه المشع بالضياء، يكشف الظلال المعتمة، ويبين بجلاء، قانون الظاهرة، مهما كانت معقدة، ويشير، بحكمة ووضوح رؤية، إلى سبيل الخروج من المآزق.. عنوان القصة القصيرة «شهر العسل»، نشرها منذ ما يقرب من أربعة عقود، ولكن، بشىء من التأمل، تبدو كما لو أنها شهادة، نافذة البصيرة، عما دار فى وطننا، فيما بعد ثورة يناير 2012.

 

«شهر العسل»، ذات طابع سريالى، لها منطقها الداخلى، مكثفة، تدور فى مكان واحد، وتستغرق عدة ساعات. وقائعها تبدأ قبل بداية القصة، فالسطور الأولى توحى بأن الشابين، العريس والعروس، قطعا مشوارا طويلا، منهكا، كى يصلا إلى مرفأ الأمان، متمثلا فى شقتهم الجديدة، مع آمال عريضة بحياة سعيدة، تماما كما حدث إبان نجاح الثورة، وانهيار النظام القديم، وانفتاح نوافذ الأحلام بالمستقبل.. لكن ما حدث فى الواقع، يكاد يتطابق مع ما جاء فى القصة، وإن على نحو رمزى.

 

واقعيا، اقتحمت الثورة قوى دخيلة، عملت، بكل طاقتها، على إما تدمير الثورة أو الاستيلاء عليها.. فى القصة، يفاجأ العريسان بوجود غريب فى الشقة، يصفه نجيب محفوظ، بقدرته المعهودة على تجسيد الشخصيات فى كلمات قليلة، موجزة «رجل قصير بين مصبوب فى كتلة قوية كأنه برميل. غليظ الرأس والوجه والعنق كأنه مصارع محترف، ومن عينيه الغائرتين تنبعث نظرة جامدة بليدة».. تتوالى المواقف الساخنة، على نحو متسارع، فبعد معركة قصيرة بين العريس والغريب، تفتح العروس النافذة كى تستغيث، فإذا بالطوب ينهال على النافذة ويمرق بعضه إلى الداخل.. بعيدا عن هذا «الطرف الثالث»، تندلع الصراعات داخل الشقة، ليس بين العريسين والدخيل فحسب، بل بينهما ومجموعة بلطجية، من شذاذ الآفاق، يريدون البقاء فى المكان، والأدهى أن رجلا عملاقا «ينطق وجهه البرونزى بالقوة والتحدى والاستهتار»، يخرج من دولاب الملابس ليعلن أنه صاحب الشقة، وحين يقول العريس إنه سيحتكم للقانون، يجيبه العملاق «سأقذف بك من النافذة، هذا هو القانون عندى».

 

الحوار بين العروسين يتناغم، يتآلف، يستكمل بعضه بعضا، كما لو أنه صوت واحد، يعبر عن أفكار نجيب محفوظ، والتى تتجلى فى الكثير من كتاباته.. هنا، وسط المأزق، تنهض الإرادة، تتبلور الرؤية، فعندما يضيق الخناق بالعريسين، تقول الفتاة، بإصرار «يجب ألا نموت كالأغنام»، وتستكمل «الحرص على الحياة خليق بأن يضيع الحياة».. هكذا كان نجيب محفوظ المصرى جملة وتفصيلا، يدرك، بحسه الذى لا يخيب، موقف حفيداته، البنات المصريات، إبان الثورة وبعدها، وحتى الآن.

 

«تتابعت الأحداث فى سرعة البرق»، وبينما حريق يندلع فى الشقة، ينشب صراع عنيف، شديد الوطأة، ينتهى بخلو الشقة من «قوى الغدر» وبرغم ما حاق الشقة من دمار، فإن العريسين، المنهكين يجلسان، بجانب بعضهما، بملابسهما الممزقة، ووجهاهما المتورمين المتسلخين، حيث تنهى العروس القصة بجملة حكيمة، أحسب أن عمنا الكبير، نجيب محفوظ، يبلغها للثوار «لم يضع شىء لا يمكن تعويضه».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات