فى اليوم الأول من السنة الجديدة التى حلت على السوريين بالمزيد من التشريد والمجازر، تداولت المواقع السورية المعارضة والشبكات الاجتماعية شريطا مصورا يظهر عمليات قتل وحشية يقوم بها رجال مقربون من الآلة القمعية الرسمية السورية وهم يضحكون ويهللون لما تقترفه أيديهم من ذبح وتشويه وتهشيم رءوس بالأحجار الثقيلة.
ومن المؤكد، وكما تم توثيقه من قبل الكثير من المعتقلين السابقين ومن المنظمات الحقوقية الدولية، بأن مثل هذه الانتهاكات الوحشية كانت تمارس فى الكثير من المعتقلات الرسمية والسرية منذ عقود. بالمقابل، يبدو أن الثورة السورية قد أدخلت التوثيق المرئى فى مجال الاستخدام الإعلامى.
وعلى الرغم من أن تصوير مقاطع التعذيب والاغتصاب والقتل سبق وأن تم نشرها لجنود أمريكيين أو غيرهم من العسس والميليشيات، إلا أنه فى الماضى كانت المشاهد ترتبط إما بتصوير متخف قام به بعض الشرفاء ممن رفضوا هذه الممارسات وحاولوا فضحها، أو من قبل المجرمين أنفسهم بهدف التشفى أو البروز أمام خلانهم بمظهر «الأبطال» المتوحشين.
●●●
أما فى الحالة السورية، فالكثير من مثل هذه الأشرطة قد تم «تسويقه» ونشره من قبل مقترفى الآثام أنفسهم، أو من يقودهم بالأحرى، وبهدف ترويع كل الأطراف من موالين ومن معارضين. فالموالون، سيزدادون ولاء خضوعيا بزيادة جرعة الخوف الذى تستنبطه عقليتهم من فرضية الانتقام الذى ينتظرهم إن سقطت الجهة التى تحميهم نظريا ويدافعون عنها عمليا. والمعارضون سيستعدون للمرور فى تجربة مماثلة إن هم وقعوا فى مصيدة الاعتقال.
ويبرز أيضا آخر يحاول أن يعطى عمقا طائفيا للانتهاكات حتى يتعزز الخوف الموصوف آنفا لدى الموالين، إن كان جزء منهم لديه هوية إثنية أو دينية معينة، أو حتى لدى المعارضين من هذه المجموعة، والذين تصلهم رسالة النظام القائلة بأنهم سيدفعون ثمن ما لم تقترفه أيديهم بمجرد سقوطه ولمجرد الانتماء المذهبى. ويدعم هذا الشعور، ردود الأفعال اللفظية التى تملأ الشبكات الاجتماعية وتعنون نفسها بعبارات مخيفة تحمل فى متنها كل أوزان التخلف الإنسانى والفرز الطائفى.
●●●
إن الفعل السوسيولوجى الذى تأسس مع بدء الديكتاتوريات العسكرية فى سوريا مع حامله الطائفى الغريزى أو المصطنع، يتحول إلى فعل عسكرى ممنهج يبدأ من التعذيب والقتل ولن يتوقف عند الانتقام.
إن التوعية الآن بفداحة الأخطار المحدقة بالمجتمع السورى نتيجة عقود من التجهيل ومن الفرز الطائفى المسيس ومن تمزيق النسيج الاجتماعى القائم منذ آلاف السنين، ربما تمثل للبعض ضربا من الطوباوية المستنكرة. ولكن لا سلاح للعقل سوى الوعى والتوعية، وتسليط الأضواء على تجارب مشابهة، وتعزيز الاقتناع بالمصير المشترك، ودعم التفاؤل بعدالة انتقالية تؤسس لمستقبل غير انتقامى. بالمقابل، من السذاجة أن تفاجئنا ردود الفعل التى حصلت وستحصل، وسيفقد السوريون، إضافة للأرواح، الكثير من الوقت لإعادة الثقة الإنسانية بين مكوناتهم إن هم استسلموا لغريزة الانتقام والشتم والوعيد.
نائب مدير مبادرة الإصلاح العربى