لن نكون وقود ديكتاتوريتكم - رباب المهدى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لن نكون وقود ديكتاتوريتكم

نشر فى : الأحد 5 فبراير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 5 فبراير 2012 - 9:10 ص

المجلس العسكرى ومن ورائه شبكة مصالح نظام مبارك قرر أن يستدعى الفاشية ليؤد بها الثورة. فى أقل من أسبوع يتم وضع جماهير (شعب) فى مواجهة جماهير، فى حادث منصة ميدان التحرير ثم أمام مجلس الشعب وأخيرا فى مذبحة استاد بورسعيد ضد جماهير الألتراس التى هتفت بإسقاط هذا المجلس العسكرى. الفاشية التى ظهرت بالأساس فى أوروبا مؤدها التالى: حالة حراك جماهيرى واسعة، زيادة الإحساس بعدم الأمان والعنف جنائى، حالة اقتصادية متدهورة، النفخ فى روح القومية الممجوجة بدعوى حماية الوطن، وأن هناك مجموعات أعداء للشعب من الشعب نفسه. هذه الخلطة استخدمها نظام الحكم فى مصر على مدى العام الماضى. فأطلق حالة الانفلات الأمنى، وربط بين الإضرابات المطالبة بحقوق الناس وبين توقف ما يسمى عجلة الإنتاج، وحرض ضد مجموعات سياسية بدعوى التمويل الأجنبى واستخدام العنف. ثم بدأ يستدعى الشعب لمواجهة كل هذه المخاطر، فرأينا التليفزيون المصرى يطلب من المصريين المسلمين مواجهة المصريين الأقباط فى مذبحة ماسبيرو ثم جاء المشير طنطاوى على أثر مذبحة بورسعيد ليطلب من الشعب مواجهة مجموعات الشغب.

 

●●●

 

فى مصر الآن مجموعتــان منظمتان ولهما عمق جماهيرى؛ الإخوان المسلمون والألتراس. الأولى بطبيعة تكوينها إصلاحية ليست ثورية وتعتمد البناء الهرمى للتنظيم. أما الثانية فهى أكثر سيولة فى التنظيم ولكنها فى مجملها ثورية بامتياز، على الرغم من حداثة دخولها السياسة. ما يسعى النظام الحاكم إليه هو عزل المجموعتين عن باقى الجماهير وعن المجموعات السياسية الأخرى حتى يسهل من عملية انقضاضه على الثورة وباقى الثوار. فنرى اللعب على إصلاحية جماعة الإخوان بإقناعهم بخطر الفوضى، وبالتالى اختيار قيادتهم إن تضع جموع الإخوان فى مواجهة باقى الجماهير سواء فى الشارع أو فى خفض سقف مطالبهم داخل البرلمان. ثم نرى الهجمة على الألتراس بمذبحة مروعة تعلى من الأصوات المطالبة بينهم بالبعد عن السياسة، وتغذى شعور الطبقة الوسطى والجماعة الأخرى المنظمة (الإخوان) بخطر الفوضى. ومع غياب تنظيم ثورى يقود المعركة تصبح المواجهة بين الطرفيين انعكاسا لمواجهة أخرى داخل المجتمع بين قوى محافظة تطالب بـ«الاستقرار» بأى ثمن، وأخرى ثورية تسعى للتغيير الجذرى. وتبدأ هذه المواجهة فى أخذ شكل العنف الجسدى ويصبح الاشتباك ليس بين الأمن والجماهير ولكن بين مجموعات من شباب الإخوان فى مقابل المتظاهرين أو ألتراس النادى المصرى فى مقابلة ألتراس الأهلى.

 

وفى حين أن الإخوان يمثلون التنظيم الحديدى القادر على الحشد والتعبئة لفترات طويلة، تبقى عبقرية وخطر الألتراس فى وجود تنظيم شبكى أفقى يصعب على النظام اختراقه، وفى الإبداع الشديد فى أدواتهم (من منا لم يدهش بدخلاتهم التى تحتفى بالشهداء وترسم صورهم فى المدرجات)، وفى أنهم ــ هذا هو الأهم ــ التنظيم الوحيد الذى يستهدف القلب الصلب للنظام؛ قوات أمنه، والذى يملك الخبرة فى مواجهته. وبالتالى عزل هاتين المجموعتين عن باقى القوى الثورية وإخضاعهم سواء بالترهيب أو بالترغيب يفرغ الثورة من قوتين أساسيتين. والأدهى أنه يسعى إلى توجيه طاقاتهما فى لحظة الزخم الثورى نحو مواجهة بعضهما البعض. وليس تصريح الداعية صفوت حجازى عن عدم وجود دور للألتراس فى الثورة وبيان الإخوان المسلمين حول المذبحة إلا إشارة فى هذا الاتجاه.

 

ولكن ما لا يدركه النظام الحاكم أن الوعى الجماهيرى العميق (وليس ما نسمعه من تعليقات سائق تاكسى أو فى برامج التليفزيون) سابق على إمكانية استخدام الفاشية. فهذه الفاشية ظهرت تاريخيا فى مجتمعات كانت تمر بمرحلة إعادة تعريف لتكوينها وقوميتها (إيطاليا وألمانيا وإسبانيا) فى حين أن جذور المجتمع المصرى ضاربة فى عمق التاريخ مما يصعب إمكانية تعرضه لمثل هذه الهزات. ظهر هذا الوعى الجمعى جليا يوم موقعة الجمل التى لم تفتح علينا بوابة حرب أهلية كما تصور النظام، ثم يوم مذبحة ماسبيرو حينما لم يستنفر مواطن لحادث اعتداء طائفى واحد على طول مصر وعرضها، وأخيرا يوم مذبحة بورسعيد. ففى حين كان المشير يستقبل طائرة اللاعبين والجاهز الإدارى للنادى الأهلى ويمارس التحريض، كانت جموع المصريين تستقبل جثامين الشهداء والمصابين الآتين ــ للمفارقة ــ فى قطار بطىء، وتهتف ضد حكم العسكر وجهاز أمن مبارك المستمر فى عمله وليس ضد مصريين آخرين.

 

●●●

 

مازال هذا الشعب مبهرا برغم القمع والذل ومحاولات التقسيم، مازال قادرا على تحديد العدو برغم محاولات التضليل. مازال قادرا على إخراج ألتراس مبدع وشباب إخوانى ناقد وتلاميذ مدارس يخرجون يوم الجمعة فى مسيرات ضد حكم العسكر وطلاب جامعة وعمال يدعون إلى العصيان المدنى ردا على جرائم النظام. بكل هؤلاء لا يمكن أن نكون حطب ديكتاتوريتكم، فهؤلاء وقود ثورة وليس ديكتاتورية.

 

التعليقات