لن ننتصر فى الحرب الدائرة ضد الإرهاب ما لم يكن لدى قيادتنا السياسية رؤية واضحة لها وطبيعة الخصم ومدى فاعلية كل وسيلة من الوسائل المتاحة فى هذه الحرب. لكن تحركات وردود أفعال القيادة ومن يدور فى فلكها من سياسيين وإعلاميين تشير إلى افتقاد شديد لمثل هذه الرؤية.
فتصريحات القيادة وقراراتها فى أعقاب جريمة الاعتداء على مقار أمنية وعسكرية فى العريش الأسبوع قبل الماضى لم تتجاوز ما صدر عنها من قرارات ومواقف فى أعقاب كل عملية إرهابية كبرى تتعرض لها البلاد، لم يكن لها هدف إلا الاستهلاك الإعلامى وامتصاص الصدمة الشعبية.
لن ننتصر فى الحرب على الإرهاب إلا إذا بلورنا رؤية تضمن تجفيف منابع الإرهاب من خلال القضاء على أسبابه. هذه الرؤية يجب أن تسعى للاستفادة من التباينات داخل معسكر الجماعات الإسلامية المناوئة لنظام الحكم فتستقطب من لم تتلوث يده بالدماء حتى وإن كان قد استخدم زجاجة مولوتوف فى مظاهرة أو وضع عبوة متفجرة هيكلية لا يبغى من ورائها إلا إثارة الفزع قبل أن ينضم إلى «أنصار بيت المقدس» فيصبح انتحاريا أو قاتلا محترفا. وهذه الرؤية يجب ألا تميز بين أبناء الوطن بحسب المظاهرة التى يشاركون فيها.
فالشهيدة شيماء الصباغ أصبحت «بنت الرئيس»، التى يجرى التحقيق فى ملابسات قتلها لمجرد أنها لقيت حتفها فى مظاهرة «غير إخوانية»، فى حين أن «القتيلة سندس رضا» التى رافقتها إلى السماء فى أسبوع واحد «بنت الناس التانيين»، لأنها لقيت حتفها فى مظاهرة «إخوانية». وهذه الرؤية يجب ألا تجعل من الجنسية المصرية سببا فى بقاء مواطن فى السجن فى حين يصبح التنازل عن الجنسية بوابة رفيقه فى القضية إلى الحرية.
وهذه الرؤية يجب ألا تسعى إلى استغلال كل حادث إرهابى لتعزيز سطوة نظام الحكم والانتقاص من الحقوق والحريات بدعوى أنه لا صوت يعلو على صوت والمعركة، بل إن العكس هو الصحيح، فهزيمة الإرهاب لن تتم إلا بإعلاء قيم المواطنة وحقوق الإنسان والحريات والقضاء على الشعور بالمظلومية لدى مئات الآلاف إن لم يكن بضعة ملايين من المصريين الذين يرون بالباطل أنهم «أصحاب حق».
استمرار الحديث عن «الإرهاب الأسود» و«المؤامرات الدنيئة» و«الأيادى الخارجية» دون إعادة النظر فيما ثبت فشله من سياسات فى مواجهة هذا الخطر يعنى أن البلاد تخوض تلك الحرب بالفعل بلا رؤية، ثم إن اللقاءات الرئاسية منزوعة المعارضة والمظاهرات سابقة التجهيز ليست رؤية للانتصار فى حرب مصير كالتى تخوضها مصر.
أخيرا أتمنى لو استفاق القائمون على الأمر فينا قبل أن نردد جميعا من جديد كلمات نزار قبانى الخالدة:
إذا خسرنا الحرب لا غرابة.. لأننا ندخلها.
بكل ما يملك الشرقى من مواهب الخطابة
بالعنتريات التى ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها.. بمنطق الطبلة والربابة
•••
ما دخل «المتطرفون» من حدودنا
وإنما.. تسربوا كالنمل.. من عيوبنا
ملحوظة: تم استبدال كلمة «المتطرفون» بكلمة اليهود فى الأبيات لدواعى «القافية السياسية».