قبل الطوفان - بلال فضل - بوابة الشروق
الأربعاء 2 أكتوبر 2024 11:16 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل الطوفان

نشر فى : الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 مارس 2013 - 5:23 م

«إحنا مش عايزين حرية خالص..عايزين الأمان يرجع» قالها الرجل العجوز للمراسل وهو يحاوره على قهوة في طنطا، فارتبك المراسل قليلا، ربما لأنه تذكر أنه يعمل في قناة الجزيرة مباشر مصر التي يفترض أن تنقل سعادة المصريين في ظل حكم الحليف الأليف محمد مرسي، ولذلك قرر أن يذكر الرجل بأهمية الحرية وفظائع النظام السابق، فرد عليه الرجل بوضوح «أيوه ياسيدي أعمل إيه بالحرية اللي تخليني أروح بيتي الساعة سبعة بالليل عشان خايف.. ده وأنا راجل أمال الحريم تعمل إيه؟»، الرجل العجوز من شبين الكوم جاء إلى طنطا ليعمل «مِنجِّد» على باب الله لكن مشكلته ليست في شحة الرزق، بل في الإنفلات الأمني الذي أفقده الشعور بالأمان، وهي نفس المشكلة التي أجمع عليها كل الذين سجلوا مع المراسل المجتهد في حوار حافل بالإشارات والتنبيهات التي كان يجب أن تلتقطها «الخُشُب المُسَنّدة» التي تحكمنا، لعلها تدرك كم السواد الذي ينتظرها في ظل الغضب المكتوم الذي يتصاعد شيئا فشيئا، حتى إذا انفجر فلن يبقي ولن يذر.

 

لا يستطيع محمد مرسي وأنصاره، على الأقل حتى الآن، أن يتهموا قناة الجزيرة مباشر مصر بأنها قناة فلولية تسعى لتشويه صورة الحكم الإخواني الرشيد، لكن أحدا منهم مع ذلك لن يهتم بطلب الشريط الذي أذيع يوم الجمعة الماضية وأذيعت بعده حوارات مع أهالي بور سعيد لو شاهدها مرسي لأدرك أن «الحارة سد»، وأنه لكي يستطيع إحتواء كل هذا الغضب يحتاج ببساطة إلى أن يكون شخصا آخر غير نفسه، شخصا غير ذلك الذي قرر أن يسلم قياده لمكتب إرشاد جماعته فينقض عهودا التزم بها أمام الملايين، شخصا اختار أن يقرأ الواقع بعيون غيره، مع أنه هو الذي سيتحمل نتيجة تلك القراءة، طالما صدقها واعتمدها وتصرف على أساسها.

 

أنت على العكس من مرسي السعيد بأداء داخليته، لست بحاجة إلى مشاهدة ذلك الشريط أو غيره، لكي تدرك عمق المأساة التي نعيشها، فأنت غارق في وحل الواقع إلى الأذقان، أنت لست كمرسي، لا تعيش في قصر مكيف معزولا عن الواقع وتتلقى تقارير يصنعونها لك لكي تصلك الصورة التي يريد صانعوها أن تصلك، وتظن أن كل من ينتقدونك في الصحف ووسائل الإعلام طامعون في كرسيك ويستكثرونه عليك كما استكثر قوم طالوت الملك عليه، هكذا قال ذلك الداعية السعودي لمرسي يوم الجمعة الماضية فشكره مرسي بتأثر شديد، ربما لأنه ذَكّره بقصة كان يحتاج سماعها بشدة، لعله يقول لنفسه الآن «نعم إنهم يستكثرون عليّ الحكم، يرون أنهم أحق بالملك مني، أنا الرجل المكافح سافف التراب المتغرب في طلب العلم المِتلطّم في السجون لخدمة الدعوة».

 

 قصة طالوت تصلح دعامة رائعة لنفسية مرسي، إذا وضعها إلى جوار دعامة كراهية المشروع الإسلامي والرغبة في إفشاله، استند يا مرسي إلى الدعامتين وستكون عندها قادرا على رؤية الواقع بعين مختلفة تماما، ولذلك ستبكي بحرقة عندما تضع الجهات الأمنية السيادية بين يديك قصة الطفل الذي حصل على ستمائة جنيه لكي يرمي على قصرك المولوتوف، «يا الله، هل وصلت بهم الدناءة إلى أن يستغلوا الأطفال من أجل أن يطيحوا بي من الحكم، لا والله لن ينجحوا في ذلك، دونها خرط القتاد»، بالطبع لن تنقل لك الجهات الأمنية تقارير عما تفعله هي بالناس في أرجاء البلاد من قتل وسحل وإنتهاك كرامة وهتك عرض، وحتى إذا وقعت عيناك على برنامج يحكي ذلك أو صحيفة تنشر إنتقادا لصمتك على ذلك، لن تبكي هذه المرة لأنك ستذكر نفسك بأن هؤلاء هم سحرة فرعون العاملين في خدمة الذين يستكثرون على رجل مكافح مؤمن أن يستقر على عرش مصر، ولذلك لن تصدقهم، ستصدق فقط أجهزة أمنك وستطلق لها العنان، وسترى الواقع فقط بعيون جماعتك، مع أنك أنت أول من سيدفع ثمن إختيارك لمن تصدقه ومن تكذبه.

 

قد يبدو لك منطقيا هذا التوصيف لعزلة مرسي عن الواقع، لكنه لن يعني شيئا لذلك المنجد المنوفي العجوز الذي يعز عليه أنه يضطر للعودة إلى البيت «بدري زي الحريم»، ولا يعني شيئا لكل الذين كانوا جالسين على تلك القهوة الطنطاوية يشكون من وقفة الحال وهواجس المآل، ولا لكل الذين وقفوا في شوارع بور سعيد يفجرون غضبهم في وجه الكاميرا لعله يصل إلى بهوات مصر الجبلّات، ولا لكل الذين يحلمون بشوية «هوا نضيف» في المنصورة التي خنقها الغاز والحزن، ولا لكل الذين أصبح لديهم ثأر شخصي مع مرسي وجماعته في السويس والمحلة وكفر الشيخ والإسكندرية والقاهرة ودمنهور والفيوم، ولا لكل الذين هرموا في إنتظار أن تندّع سماء الوطن أي «عيش حرية عدالة إجتماعية»، كل هؤلاء لن تعني لهم كل المبررات شيئا، لأنك «عندما تجد نفسك في خرّارة، لن تنشغل كثيرا بفهم منطق الفضلات بل سيكون همك الوحيد الخروج منها أيا كان الثمن ومهما كان السبيل»، هؤلاء لن يتذكروا أن دخولهم إلى الخرارة كان منذ وقت طويل يختلف حسب موقع أقدميتك في الدخول، لا تنس أن معطرات النظام السابق كانت قوية بحيث جعلت الكثيرين لا ينتبهون أصلا إلى حقيقة وجودهم في الخرارة، وأيا كان ما ستقوله لهم الآن لن يهتموا به، لن يكون مجديا أن تحدثهم عن الثورة المستمرة أو مدنية الدولة أو حلاوة مشروع النهضة الإسلامي أو مؤامرات الحارة المزنوقة، فقد نفد رصيد الصبر لديهم، ولم يعودوا يطيقون خلقة أحد، لم يعد حيلتهم سوى الغضب، غضب مكتوم يتصاعد شيئا فشيئا، وعندما ينفجر ذلك الغضب طوفانا هادرا ويُدركك الغرق يا مرسي، لن يكون مجديا وقتها أن تطلب الحوار مع الطوفان.

 

belalfadl@hotmail.com