كلما سمعت مصطلح «تجديد الخطاب الدينى» أو «تغيير الخطاب الدينى» أشعر بعمق الأزمة التى نحن فيها، فالمصطلح ذاته حمال أوجه، يحتاج إلى ضبط وتعريف، هل المطلوب تغيير ألفاظ ومفردات، أم تغيير عقلية، وذهنية وإدراك؟
بالتأكيد أزمة الخطاب الدينى ليست فى الألفاظ المستخدمة، التى يمكن بالطبع تغييرها، والتنبيه على منتجى الخطاب الدينى بضرورة استخدام ألفاظ أخرى أكثر قبولا، بما يشبه الدليل الاسترشادى للألفاظ على غرار «قل ولا تقل». المسألة أكثر عمقا، وتبدأ بتغيير الذهن، ثم يأتى بعدها تلقائيا اختلاف النظرة للحياة ذاتها، ويصبح الخطاب الدينى المستخدم مواكبا للحياة الجديدة. لن يحدث تغيير الذهن إلا إذا جعلنا دراسة الدين ــ عقيدة، لاهوت، فقه ــ متلازمة مع دراسة علم الاجتماع، ومعارف منتظمة مستقاة من العلوم الاجتماعية الأخرى. لن يحدث تغيير الذهن إلا إذا ارتفع منسوب الحريات الأكاديمية، بما يتيح للباحث فى الشأن الدينى مساحات واسعة من الاجتهاد، حتى لو بلغ الاجتهاد مبلغ الشطط ــ فهو أمر طبيعى فى مجال البحث، ولا غرو فى ذلك طالما يجرى حوله حوار نقدى علمى. الجرأة مطلوبة، وانتعاش البحث والتفكير يجعل المجتمع يعيش فى حالة تفاعل بناء.
التجديد يأتى من الابتكار، ولا يتحقق الابتكار إلا فى مناخ من الحرية الأكاديمية، وإذا لم يتغير الذهن، يصعب أن يتطور الخطاب.
نحن نريد أن نفعل الصعب، بل ويكاد يكون المستحيل، أن تأتى عقول تربت على ثقافة، وطريقة تفكير، واعتقاد جازم بمعرفة الصواب، ويراد منها أن تعدل خطابا، وتطور خطابا، وفى التطوير اعتراف ضمنى بوجود قصور سابق أو خطأ، وإلا فما الذى حال بينها وبين التجديد والتطوير والابتكار طيلة الفترة الماضية؟
الأفضل أن نوفر مناخا تزدهر فيه عقول جديدة من خلال الابداع والتفكير والبحث الاجتماعى الجاد. هذا هو الطريق الذى سارت فيه المجتمعات التى تقدمت، خلاف ذلك سوف يتمخض الجبل، ويلد فأرا الذى هو «الترقيع»، أى محاولة رتق الثوب القديم المهلهل، واستخدام لغة أقرب إلى الزخارف الخاوية الخالية من المضمون، أو الحديث أمام الناس كلاما يشجى ويطرب دون أن يكون له دور فى تغيير الواقع.