أغلب الظن أن هذا المقال سوف ينشر، وقد تم تأليف الوزارة الجديدة، وسوف يواجه وزير جديد للتربية والتعليم ما تعج به وزارته من عجائب القرارات والمشروعات الخطيرة والمتعجلة، مهتدية بسياسة (شاوروهم، وخالفوهم، أو تناسوهم) فى تطبيقها. وجرى هذا الانفلات من خلال تجاهل الوزارة لمبدأ الاستعانة الجادة بمشورة المعنيين والممارسين لمختلف مجالاتها: عملا وتدريسا وبحثا وتقويما من العاملين فى قلب عملياتها التعليمية.نأمل من الوزارة الجديدة ألا تقع فى مزالق ذلك الأسلوب وشعاره المتعجل واللاهث فيما ينتويه من برامج ومشروعات.
والمألوف أن فى العجلة الندامة، فضلا عن أن المنطلقات التسلطية تهدم أهم قاعدة من قواعد الديمقراطية فى الالتزام ببعدها المتمثل فى أهمية المشاركة الفعالة فى صناعة القرار. ومما يضاعف الضلالة والتزييف فى ذلك الالتزام بأنه حين تستعدى الوزارة بعض الأطراف المعنية بالمشاركة يتم ذلك بعد أن يكون المشروع قد قطع أشواطا فى مراحل الاعتماد والموافقة الرسمية أو شبه الرسمية من لجنة التعليم بمجلس الشعب، كما جرى فى مجلس الشعب السابق فى موافقته على إعادة امتحان الثانوية إلى نظام السنة الواحدة.
ثم يجىء الاختلاف بين الوزارة والمجلس على تحديد السنة التى يبدأ فيها تطبيق القانون سواء فى السنة القادمة وما يليها. ولم تجر أى استشارة لأى من الهيئات المعنية فى هذا الشأن. وينتهى الأمر باستسلام الوزارة لرأى المجلس رغم ما يترتب على ذلك من صعوبات ومشكلات فى التطبيق مستقبلا. وهكذا تجرى عملية «التناسى» لأى من الهيئات المعنية فى صناعة القرار.
ويصدر القانون باعتباره «إنجازا هائلا»، داعيا الوزارة إلى اتخاذ كل الإجراءات التنظيمية والعلمية من مناهج وجداول دراسية لكل من أقسام التخصص العلمية والرياضية والإنسانية، ولذلك تعقد الوزارة اجتماعا عاما لعمداء وكليات التربية وأساتذتها لمناقشة الوثيقة التى أعدتها، والتى تحتوى على عشرات من التفصيلات المطلوبة لاستكمال مهمة تنفيذ القانون. وتجرى مناقشة عاجلة غير متعمقة لوثيقة الوزارة. وكان من بين اقتراحاتى عدم التفات الوثيقة إلى إدخال مواد الفنون والآداب والرياضة البدنية فيما يتم من تقييم تلك المجالات المهمة فى التكوين العام للمواطن، كما كان متبعا فى بعض القوانين السابقة.
ثم يجىء اجتماع المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى لمناقشة واعتماد وثيقة الوزارة السابقة بتفصيلاتها التنظيمية والعلمية لمناهج وامتحان الثانوية العامة، وفى جلسة واحدة من ساعتين جرت مناقشة عامة غير متعمقة، إذ إن تلك الوثيقة الوزارية تتطلب لاستيعابها الوافى ساعات وساعات وجلسات وجلسات. لكن المطلوب فى كل من اجتماعى الخبراء والمجلس الأعلى أن يجرى كل شىء على عجل لتحظى الوزارة بالموافقة على هذا المشروع الجديد فى إسهاماته التربوية.
وفى اجتماع المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعى تقدمت ببعض المقترحات مما أتاحت لى «الشروق» عرضها فى مقال سابق. ومن أهمها اقتراحان، أولها عدم الموافقة على استمرار تعليم لغتين أجنبيتين خلال السنوات الثلاث لمرحلة الثانوية العامة. وتستند عدم موافقتى على أن تجاربنا التاريخية قد أثبتت بأن ذلك يؤثر على الجودة والاتقان لكل منهما، مشبها ذلك بالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. ومع ذلك فإننى أدعو إلى تعليم لغة أجنبية واحدة من المرحلة الابتدائية حتى مرحلة الدراسات العليا لتمام إتقانها.
ويجىء اعتراضى الثانى على تخصيص (10) عشر درجات تضاف ضمن المجموع الكلى لتقديرات امتحان الثانوية العام بما يعرف بمادة (الانتظام والسلوك) لضمان التزام الطلاب بالحضور على مقاعد الدراسة طوال العام. وليس لى من تعليق على هذه (المادة) إلا بوصفها من إحدى البدع التى لا مثيل لها فى امتحان آخر على ظهر هذا الكوكب. هذا فضلا عما تثيره من مشكلات فى حالة الطلاب المتقدمين لامتحان الثانوية.
وهكذا يصدر قانون تعديل الثانوية العامة ولائحتها التنفيذية كما حررتها الوزارة دون أن يتغير منها أو يضاف إليها أى تطوير من كل ما جرى فى تلك الاجتماعات الشكلية، وكان منطقيا ونفسيا حين لا تقبل اقتراحاتى لا يأخذ أى منها تقديرا، أو مناقشة فى عدم قبولها من طرف الوزارة. وليس هذا بمستغرب مادامت قد اصطنعت تلك الوزارة سياسة (شاوروهم وخالفوهم أو تناسوهم).
وأخيرا تتوالى مظاهر (تناسوهم) بما أعلنه السيد الوزير خلال مناسبة تكريم أوائل الثانوية العامة والفنية بتاريخ (18/7/2011) من أنه قد قام بإعداد مشروع (إنشاء جهة تكون معنية بالتخطيط لوزارة التربية والتعليم لتطوير العملية التعليمية، ولتكون وزارة التربية والتعليم مجرد جهة تنفيذ) وقد بادر سيادته بإعداد مقترح لتعديل المادة 139 فى الشأن لمناقشته فى مجلس الوزراء فى اجتماعه المقبل.
واتساءل هنا مع من ناقش أو استشار سيادته فى تقديم ذلك المشروع. والحاصل أن مثل هذا المشروع قد اقترحه من قبل عديد من أساتذة التربية دون أولوية له، نظرا لما يتضمنه إنشاؤه وعدم فاعليته من الصعوبات والمشكلات فى ممارسة عمليات التخطيط، الاستراتيجى بمهاراتها العلمية والفنية. وهى من الدراسات والفنون التى يقوم بها المتخصصون فى هذا المجال. هذا فضلا عن عديد من الصعوبات مما لا يتسع المقال لتفصيلها. وهكذا لم يتخلف سيادة الوزير عن ممارسة سياسة (تناسوهم) فى آخر مشروع من تجلياته ومراحل قيادته.
ولانزال نعتقد فى المثل القائل (إن مكة أدرى بشعابها) حين نتذكر ما أعدته وزارة التربية والتعليم من خطة قومية شاملة للفترة من (2007 ــ 2012) لقد كانت خطة قومية خمسية محكمة، لقيت استحسانا وتفاؤلا بنجاحها، لولا فساد النظام السياسى وعدم تمويله وجديته فى تنفيذ أى خطة قومية.
ومبلغ القول فى هذا المقال هو التحذير من خداع سياسة (شاوروهم وخالفوهم أو تناسوهم) مما لجأت إليه توجهات السلطوية المزيفة فى قضايا تطوير التعليم والالتزام المؤمن بأهم مبادئ الديمقراطية والتى تتضمن ضرورة استطلاع آراء أوسع قادمة من المعنيين فى التخطيط والتنفيذ لمشروعات منظومة تعليمية رشيدة. ولا مناص من تأكيدها، إذ إن قاعدة المشاركة فى صنع القرار وتنفيذه تعتبر من أهم معايير بناء تعليم ديمقراطى لمجتمع ديمقراطى.