يعتقد البعض أنك حين تطالب بتقنين أوضاع الجماعات وبوضع موازنات الهيئات والمؤسسات تحت عين المجتمع، أنك تريد السيطرة على هذه الموارد، وهو فهم قاصر تماماً، فالأمر لا يصادر حق الجماعات والهيئات فى تنمية مواردها طالما كان ذلك فى إطار قانونى واضح، وإنما يمتد لحق الرأى العام فى المعرفة والمعرفة فقط.
فى الآونة الأخيرة ثارت ضجة حول ثلاث مؤسسات تبدو خارج الدولة وخارج سياقها القانونى والرقابى، الأولى هى المؤسسة العسكرية وما يثور من جدل حول ميزانيتها وأنشتطها الاقتصادية وخضوع هذه الميزانية والأنشطة للرقابة المجتمعية سواء عبر البرلمان أو الأجهزة الرقابية والمحاسبية التى تتيح تقاريرها للرأى العام فى إطار حق تداول المعلومات الراسخ فى أى مجتمع يطمح أن يكون ديمقراطياً.
هذا مطلب رئيسى من مطالب الثورة، واختبار حقيقى للسلطة الجديدة التى جاءت بواجهة أنها خيار الثورة، ليس معنى ذلك أنك تريد إفقار الجيش، ولا حرمانه من موارد يضخها فى خطط تدريبه وتسليحه، أنت فقط تريد أن تعرف وتتأكد أن كل هذه الممارسات فى إطار القانون، وأن يحيطك إحدى بالشركات المملوكة للجيش، لتعرف إن كانت تحصل على أى مزايا تفضيلية فى التعامل مع الحكومة، وقانونية هذه المزايا وتأثيراتها على المنافسة فى الأسواق المختلفة، وأين تذهب العوائد من وراء هذه المشروعات.
الكنيسة كذلك لديها موازنة لا يعرف عنها المجتمع شيئاً، المؤكد أن هذه الأموال لا علاقة للدولة بها، تبرعات شعب الكنيسة وعشورهم، الدولة للأسف لا تساهم بمليم فى ترميم كنيسة أو بناء أخرى، وهذه قضية أخرى، لكن الأهم أن أحداً لا يطلب معرفة موازنة الكنيسة ليستولى عليها، لا أحد يمكن أن يسمح للدولة نفسها أن يكون لها نصيب من عشور أقباط هى لا تخدمهم عقائدياً كما تخدم المسلمين، واجب المجتمع أن يؤمن الكنيسة على أموالها، لكن حقه أن يعرف من أين تأتى هذه الأموال، وإلى أين تذهب، الإصلاحات والترميمات ومعيشة الكهنة والأساقفة والرهبان والنشاطات الاجتماعية والإعالات والدعم الصحى، كلها فى إطار مشروع لكن مشروعيتها تكتمل حين تكون تحت أعين المجتمع ومؤسساته، أيضاً هذه ضمانة للكنيسة نفسها أمام ما يثار حولها من دعم قوى أو سياسيين بعينهم، أو حتى توجيه بعض الأموال الكنسية فى اتجاهات سياسية.
جماعة الإخوان كذلك لغم كبير فى طريق الشفافية، الأخطر من ذلك أنها حالياً برئيس منتمٍ لها تمثل السلطة المنتخبة ديمقراطياً التى من واجبها أن تستعيد لك حقك فى المعرفة، وأن توفر لك المعلومات التى تطمئن بها، الحق فى المعرفة وحرية تداول المعلومات العمود الفقرى للديمقراطية، والجماعة كأى تجمع أهلى أموالها ــ المفترض ــ من مساهمات أعضائها، ونحن نريد المعرفة ولا نريد الأموال، لكن حقك أن تعرف حجم هذه الأموال ومصادرها وإلى أين تذهب، فإذا كانت جماعة دينية أو جمعية أهلية أو حتى مركز شباب فليس من حقها أن تمول باشتراكات أعضائها أنشطة سياسية، وإذا كانت غير ذلك فلتقل لنا، كذلك فى أموال هذه الجماعة شركات وأنشطة تجارية واقتصادية، من حقك أن تعرفها، ومن حقك أن تطمئن بعد أن صار للجماعة سلطة ونفوذ رسمياً ألا يحدث تضارب مصالح أو مزايا تفضيلية لشركات الجماعة التى لا نعرفها لدى الحكومة التى تدين بالولاء للجماعة.
عزيزى المواطن: حتى تمسك فى يديك تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات عن المؤسسة الاقتصادية للجيش وعن الكنيسة وجماعة الإخوان، فلا تسمح لأحد أن يخدعك ويقنعك أنك أصبحت تعيش فى دولة ديمقراطية دستورية حديثة.