من وقائع الفرص الضائعة: مصر وصندوق النقد الدولى - سمير رضوان - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من وقائع الفرص الضائعة: مصر وصندوق النقد الدولى

نشر فى : الأربعاء 5 سبتمبر 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 5 سبتمبر 2012 - 8:45 ص

من مآثر ثورة 25 يناير 2011 هو ذلك الاهتمام المتزايد من المصريين، على اختلاف طوائفهم، بالمسائل الاقتصادية بعد أن كانت لا تتعدى متابعة الأسعار والأسواق، ولم تعد موضوعات فنية معقدة مثل علاقة مصر بصندوق النقد الدولى استثناء لهذه القاعدة، وفى كل مرة تعلن الحكومة عن نيتها فى الاقتراض من الصندوق حتى يحتدم النقاش، ويدور حوار وطنى بين مؤيد ومعارض.

 

هذا ما حدث فى الأسبوع الماضى حينما جاءت مديرة الصندوق على رأس بعثة بدعوة من الحكومة المصرية لتجديد طلب قرض من المؤسسة المالية مع ارتفاع قيمة القرض من 3.2 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار نظرا لتفاقم الأزمة المالية، وصرح رئيس الوزراء ووزير المالية بأن مصر تقدمت ببرنامج للإصلاح المالى والاقتصادى، وأن السياسة المالية هى شأن داخلى، لكنه أضاف فى تصريح للتليفزيون المصرى بعد الاجتماع مع كريستين لاجارد أن «القرض شر لابد منه»، وصرحت مديرة الصندوق ردا على سؤال لجريدة «الشروق» فى مؤتمر صحفى يوم 22 أغسطس بأنه «سيكون هناك برنامج إصلاح مالى واقتصادى على المدى القصير والآخر على المدى الطويل، وستتم مراقبة الموازنة العامة للدولة على فترات مختلفة لرصد عملية إصلاح تلك الموازنة».

 

جاءت ردود الأفعال بين مؤيد ومعارض، المؤيدون يشيرون إلى ضرورة الاقتراض لسد عجز الموازنة الذى بلغ هذا العام 135 مليار جنيه (أى 7.6٪ من الناتج المحلى الإجمالى)، ونظرا لتراجع نمو الاقتصاد (حيث يصل معدل النمو إلى 1.9٪ فقط) وتباطؤ المعونات والاستثمارات الخارجية. وفى المقابل نظمت بعض الحركات الثورية، خاصة اليسار، تظاهرة أمام مجلس الوزراء ودعت إلى تظاهرات يوم الجمعة 31 أغسطس بميدان طلعت حرب بالقاهرة وميدان القائد إبراهيم بالإسكندرية، وتتلخص مخاوف المتظاهرين فى فقدان مصر لاستقلالها الاقتصادى وتكبيلها بالديون الخارجية، وذلك مع ظهور تيار جديد يرى أن دفع الفوائد على الديون هو نوع من الربا الذى يحرمه الإسلام.

 

فى وسط هذا الخضم جاءنى صوت «الفلاح الفصيح» من دهشور، وهو متابع جيد للأحداث، ولديه فراسة يحسده عليها الكثيرون من أهل القاهرة، وقال لى إن الأمور اختلطت عليه فهو على ما يذكر أننى تقدمت بطلب لمثل هذا القرض عندما كنت وزيرا للمالية ولكنه رفض، ونحن نأتى اليوم بعد 15 شهرا لنطلب قرضا أكبر، فلماذا كان تضييع كل هذا الوقت؟ ألم نكن نحن المستفيدون إذا حصلنا على هذا القرض واستثمرناه فى إعادة دوران عجلة الإنتاج؟

 

•••

 

من هذا المنطلق، وفى غياب المعلومات الكافية، رأيت أنه قد يكون من المفيد أن نرجع إلى التجربة التى خضناها فى 2011 حتى لا تغيب الحقائق وحتى نضع علاقة مصر بالصندوق فى إطارها الصحيح بعيدا عن المهاترات والمزايدات، وابتغاء للخروج بالاقتصاد المصرى من أزمته الحالية. إن أهم ما يهدد الحوار الوطنى هو اختزال الأمور، فنحن نختزل موضوع الأجور مثلا فى تحديد الحد الأدنى والحد الأقصى دون التنبه إلى أن القضية أشمل من ذلك لأن المطلوب هو إصلاح هيكل الأجور برفق. كذلك يتم اختزال قضية القرض فى هل تذهب إلى الصندوق أم لا نذهب، فى حين أن المسألة أشمل من ذلك إذ إن التحدى هو تمويل النمو الذى يحقق التشغيل وتدبير مصادر هذا التمويل سواء من الصندوق أو غيره. من هنا فإن العرض السريع لتجربة 2011 قد يلقى الضوء على كيفية صياغة السياسات العامة على أساس مدروس مما يساهم فى ترشيد الحوار الوطنى واضفاء نوع من العقلانية على النقاش المحتدم الآن.

 

•••

 

جئت إلى وزارة المالية بعد أسبوع من اندلاع ثورة 25 يناير، ومنذ اليوم الأول اتضحت جسامة المركز المالى للبلاد. فمن ناحية بدأت السياحة (التى كانت تدر مليار دولار شهريا) فى التوقف، وتراجعت الاستثمارات الأجنبية، وبدأت المصانع فى التعطل عن العمل، وزادت صعوبات التصدير. وفى المقابل كانت هناك التزامات دفع الرواتب والمعاشات وتدبير الواردات من القمح والوقود، ومواجهة ما كان يسمى بالمطالبات الفئوية. وعلى الفور تم إعداد تصور للمطالب الضرورية والمتسارعة وكيفية تدبير التمويل اللازم لها دون اللجوء إلى زيادة عجز الموازنة العامة. كما أصدر رئيس الوزراء قرارا بتشكيل «اللجنة الوزارية للمتابعة» برئاسة وزير المالية وعضوية الوزراء المعنيين بالشئون الاقتصادية والاجتماعية لرسم وتنفيذ السياسات اللازمة لمواجهة الموقف. وقد اعتمدت اللجنة خطة على مستويين، الأول: مواجهة المطالب العاجلة، والثانى: رسم خطط متوسطة الأجل لإعادة عجلة الإنتاج للدوران، ولقد نجحت هذه اللجنة فى إدارة الأزمات فى الشهور الأولى للثورة، وساهمت مساهمة فعالة فى تخفيف الاحتقان الناجم عن «ثورة التطلعات» لدى قطاعات كبيرة من الشعب مادام تم حرمانها من ثمار النمو السريع فى العقد السابق، وكذلك توفير الاحتياجات الأساسية خاصة الخبز والبوتاجاز، مع عدم إغفال التحدى الرئيسى، وهو عودة الاقتصاد للعمل، وكان من أنبل قرارات هذه اللجنة إقرار معاش استثنائى ــ يعادل 1500 جنيه شهريا وهو أعلى معاش فى الدولة ــ لأسر الشهداء، وكذلك إنشاء صندوق لتعويض أصحاب المحال والمركبات التى تحطمت فى الأحداث التى واكبت الثورة.

 

بدأت الأمور تتضح فى شهرى مارس وأبريل باستمرار حالة الطوارئ، وتزايد المطالبات الفئوية وارتفاع صوت المتعطلين، وكان لابد من رسم سياسة مالية وسياسة نقدية لمواجهة هذا الموقف مع الحفاظ على الثوابت الرئيسية لهذه السياسات وخاصة عدم تفاقم عجز الموازنة العامة، الحفاظ على سعر صرف الجنيه والسيطرة على تضخم الأسعار، ومما سهل مهمة مواجهة هذه التحديات هو التوافق بين السياسة المالية (ممثلة فى وزارة المالية) والسياسة النقدية (ممثلة فى البنك المركزى)، وكان للدكتور فاروق العقدة المحافظ الموهوب للبنك المركزى) مقولة يرددها وهى أن هذه هى المرة الأولى التى يحدث فيها هذا التوافق، وهذا التناغم بين وزير المالية ومحافظ البنك المركزى!

 

•••

 

كان علينا إذن أن نبلور هذه السياسات عند إعداد الموازنة العامة للدولة للعام 2011/2012، واضعين فى الاعتبار المتغيرات التاريخية التى فجرتها ثورة 25 يناير، وتم تحديد هدفين أساسيين للموازنة: أولا: الاستجابة للمطالب العادلة للأغلبية العظمى من العاملين عن طريق استخدام الموازنة العامة كأداة لتحقيق العدالة الاجتماعية التى كانت مطلبا أساسيا من مطالب الثورة عيش، حرية، عدالة اجتماعية، وذلك أسوة بتجربة أمريكا اللاتينية بعد سقوط الحكومات العسكرية الدكتاتورية هناك. ثانيا: تحفيز الاقتصاد المصرى لاستعادة عافيته وذلك عن طريق ضخ استثمارات عامة فى البنية الأساسية والتعليم والصحة والإسكان، مسترشدين فى ذلك بتجربة ما بعد الكساد الكبير فى أمريكا وأوروبا (1929 ــ 1932) والأزمة الآسيوية (1997 ــ 1998) والأزمة المالية العالمية (2008).

 

كان من أهم ملامح هذه الموازنة على جانب الإنفاق إقرار علاوة 15٪ لأصحاب الرواتب والمعاشات (نحو 15 مليون رب أسرة)، إقرار الحد الأدنى للأجور بـ700 جنيه وضخ 40 مليار جنيه استثمارات عامة فى التعليم والصحة والإسكان الاجتماعى والبنية الأساسية خاصة فى الزراعة، وعلى جانب الإيرادات تم استحداث شريحة جديدة للضرائب على الدخل قدرها 25٪ على ما زاد على 10 ملايين جنيه. كانت الموازنة توسعية، وبلغ العجز المتوقع فيها نحو 12٪ من الناتج القومى الإجمالى، ولكن كانت هناك خطة لزيادة الموارد (عن طريق الإصلاح الضريبى) وتخفيض النفقات (عن طريق وقف الهدر فى الإنفاق على الدعم وخاصة دعم الطاقة الذى يذهب 90٪ منه إلى 20٪ فقط من مرتفعى الدخل).

 

وافق مجلس الوزراء على هذه الموازنة التوسعية، ولكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الذى كان مصدر التشريع فى غياب البرلمان) اعترض بشدة على هذه الموازنة تخوفا من العجز الكبير، وطالب بإعداد موازنة أقل طموحا، أو حتى العمل بموازنة العام السابق! وقد بذل موظفو المالية جهودا خارقة لإعداد تلك الموازنة فى فترة قياسية وقد وافق عليها مجلس الوزراء بعد أربع جلسات عاصفة هدد خلالها بعض الوزراء بالاستقالة نظرا لقصور الموازنة عن تلبية احتياجات الشعب خاصة فى التعليم والصحة والإسكان، بل وذهب بعض الوزراء ــ عن حق ــ بأن هذه الموازنة ترسل للمصريين رسالة خطيرة وهى «أن شيئا لم يتغير»، لكن كان هناك إجماع على دعم موقف وزير المالية.

 

•••

 

كان التحدى التالى هو تقدير الفجوة المالية وكيفية تمويلها، جاءت الموازنة المعدلة بحجم مصروفات يصل إلى 476.3 مليار جنيه، وإيرادات تقدر بـ349.6 مليار جنيه، وعجز كلى يصل إلى 120.1 مليار، أى 7.9 من الناتج القومى الإجمالى، وكان السؤال هو: كيف يمكن تغطية هذا العجز؟ كان المنطقى ــ والذى نادى به ما يسمون بالخبراء ــ أن نتجه إلى تقليص الإنفاق، ومن الصحيح أن هناك هدرا غير قليل فى الانفاق العام، كذلك فإن دولا أكثر ثراء فى الاتحاد الأوروبى كانت تتجه إلى برامج تقشفية بتخفيض الرواتب والمعاشات. هل كان هذا ممكنا فى مصر فى 2011؟ الإجابة بالنفى، حيث إن أى برنامج تقشفى سوف يقع بالضرورة على الفئات الضعيفة، وهو ما يزيد درجة الاحتقان، كذلك فإن الموازنة تتسم بعدم المرونة حيث إن ربع الانفاق يذهب للأجور، وربع للدعم، وربع لخدمة الدين، ولا يبقى سوى ربع فقط للانفاق على الصحة والتعليم والإسكان والثقافة. الطريقة الفعالة لتخفيض النفقات كانت فى تخفيض الدعم الذى يصل إلى 130 مليار جنيه، منها 95.5 مليار للوقود فى حين يصل نصيب دعم الخبز والسلع الأساسية 20 مليار جنيه فقط، وقد تم إعداد خطة لقصر الدعم على مستحقيه، لكنها تحتاج إلى وقت طويل وحكمة فى عدم الإضرار بالطبقات الفقيرة.

 

هل كان يمكن زيادة الموارد فى الحال؟ الإجابة أيضا بالنفى لأن الاقتصاد كان ينزف بمعدل 40 مليار جنيه (3٪ من الناتج القومى) والإصلاح الضريبى يتطلب بعض الوقت باستثناء الضريبة التصاعدية التى تم تطبيقها بما لا يخنق القطاع الخاص.

 

وكان السؤال الثانى: هل يمكن تمويل الفجوة من المدخرات المحلية؟ والإجابة نعم فى حدود ضيقة. لقد بلغ معدل الادخار والاستثمار 15٪ من الدخل القومى (المفروض أن يكون 23 ــ 25٪)، كذلك فإن الاقتراض الداخلى قد وصل إلى حدود خطيرة، حيث وصل الدين الداخلى إلى 895 مليار جنيه (58.4٪ من الدخل القومى) من إجمالى الدين الذى بلغ 1.1 تريليون جنيه.

 

وفى ظل هذه الظروف تم تقدير الفجوة التمويلية المطلوبة من الخارج بما يتراوح ما بين 10 و12 مليار دولار. وكان تقدير وزارة المالية والبنك المركزى أنه يمكن تدبير ذلك بالمعونات العربية والأجنبية إلى جانب قرض من البنك الدولى (2.2 مليار دولار) وصندوق النقد الدولى (3.2 مليار دولار). وبدأنا فى تنفيذ هذه الاستراتيجية.

 

•••

 

كان موقف العالم من مصر بعد ثورة الربيع العربى أكثر من مشجع، بدأت القيادات الدولية تحج إلى ميدان التحرير ولنا على مدى الأسبوع، الكل يريد أن يساعد فى إنجاح التحول الديمقراطى فى مصر باعتبارها الركيزة فى المنطقة العربية، والجميع جاهز بخطط استثمارية طموحة، وقد وصل التعبير عن هذا الدعم ذروته حينما دعيت مصر وتونس إلى قمة الثمانين فى مدينة دوفيل بفرنسا، وكان استقبالا رائعا للدكتور عصام شرف ووزير ماليته من قادة الدول الغنية، وتم توزيع تقرير مصرى بعنوان «مصر: الطريق إلى الأمام» تمت دراسته بعناية من سكرتارية المؤتمر، وبعد أن ألقى الدكتور/ عصام شرف كلمة مصر طلب الرئيس أوباما فرصة ينفرد فيها بالحديث معنا، وقال: «نحن نتابع ما يحدث فى مصر.. نحن معكم.. ليس من حقكم الفشل». وانتهى المؤتمر بتخصيص 20 مليار دولار معونة لدول الربيع العربى. وعدنا إلى مصر تحدونا الآمال العريضة، ولكن تأرجح عملية التحول السياسى أدت إلى تغيير ملحوظ فى مواقف هذه الدول التى فضلت أن تنتظر لحين وجود استقرار سياسى.

 

وكان من الطبيعى أن نطرق باب الأشقاء فى دول الخليج الذين قابلونا بترحاب شديد وقررت السعودية خدمة بمقدار 3.750 مليار دولار والإمارات 3 مليارات دولار، وقطر 10 مليارات دولار، ووعود طيبة من الكويت. لكن ما جاء بالفعل حتى آخر عام 2011 كان 500 مليون من السعودية.

 

•••

 

فى ظل هذه الظروف كان القرض من البنك والصندوق الدوليين أكثر واقعية وأكثر إغراء إذ إن سعر الفائدة كان 1.5٪ فقط يحسب على ما يتم استخدامه فقط، مع فترة سماح 36 شهرا والسداد على 20 عاما، وقد تم استقبال الوفد الاقتصادى المصرى المؤلف من محافظ البنك المركزى، وزيرة التعاون الدولى ووزير المالية استقبالا حافلا، وتمت الموافقة المبدئية على القروض بلا شروط تقليدية، وكان ذلك فى أبريل 2011 . وجاءت بعثة الصندوق إلى مصر وعملت مع مجموعة من خيرة الخبراء المصريين من المالية والبنك المركزى والتخطيط، وكان الصندوق سعيدا بأن البرنامج المقدم هو برنامج مصرى 100٪، وأجرينا ستة حوارات مجتمعية فى حضور البنك والصندوق كان التعبير فيها بين الرفض والقبول. كانت صورة الصندوق ورفضه تمويل السد العالى  فى عام 1956 وكذلك كأداة لخدمة الدول المتقدمة مازالت حاضرة فى الأذهان، كذلك كانت هناك نزعة رومانسية بأن مصر يجب أن تعتمد على الذات. وتم عرض كل ذلك على مجلس الوزراء مع توزيع نص الاتفاق مع البنك والصندوق وتمت الموافقة وعقد مؤتمر صحفى مع ممثلة الصندوق للإعلان عن التوصل لاتفاق الاقتراض بمبلغ 3.2 مليار دولار، وكان ذلك فى 6 يونيو 2011. جاءت الخطوة الأخيرة وهى موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على القرض باعتباره اتفاقية دولية، وتم رفض القرض! وكان السبب الذى أبداه المشير طنطاوى أنه «لا يود أن يترك إرثا من الديون لمن يأتى بعده».

 

وقد حاولت أن أشرح أسباب اللجوء إلى قرض الصندوق لإنقاذ الاقتصاد المصرى من حالة الكساد التى بدأت تتهدده، وفى هذا السياق قدمت الحجج الآتية:

 

أولا: إن التمويل الداخلى أصبح أكثر صعوبة لتناقص السيولة فى الجهاز المصرفى، ولارتفاع تكاليف الاقتراض حيث وصل سعر الفائدة المطلوب على أذون الخزانة 14٪ بل و16٪، كما أن توسع الحكومة فى الاقتراض بات يهدد القطاع الخاص بتجفيف مصادر التمويل من الجهاز المصرفى.

 

ثانيا: أن مصر عضو فى صندوق النقد الدولى منذ إنشائه، حيث أصبحت مصر عضوا فى 24 ديسمبر عام 1945، وبذلك فلها الحق فى اقتراض ضعف حصتها التى تبلغ 1.5 مليار دولار، كما أن لها الحق فى أن تقترض ما يصل إلى 9 مليارات دولار فى حالة الطوارئ مثل ما تمر به مصر.

 

ثالثا: إن دعم الأشقاء العرب قد يأخذ وقتا لأنهم يريدون الاطمئنان على الحكومة المقبلة، وهم حريصون على أن توقع مصر الاتفاق مع الصندوق لأن هذا يطمئنهم على أن السياسات المالية والاقتصادية فى مصر تسير فى الطريق الصحيح.

 

رابعا: إن البنك والصندوق الدوليين قد تغيرا جذريا عن الستينيات والسبعينيات، فقد باتوا مهددين بانصراف الدول النامية عنهم فى ظل توافر التحويل فى أسواق المال الدولية بلا شروط، والأهم من هذا وذاك بروز الصين وآسيا كلاعبين أساسيين على المستوى الدولى، فدول الجنوب تستحوذ على 6.8 تريليون دولار من الاحتياطات الدولية (مقابل 3.5 تريليون للدول الصناعية)، كما ارتفع نصيبهم من التجارة الدولية من 22٪ عام 1965 إلى 42٪ فى 2010، وهذه القوى الصاعدة تطالب بإصلاح نظام الحكومة فى البنك والصندوق. وفى النهاية فإن المحك الرئيسى هو وجود برنامج مصرى 100٪ صاغه خبراء لا يقلون عن خبراء البنك والصندوق.

 

رغم كل هذه الأسباب قوبل موضوع القرض بالرفض من المجلس الأعلى، وحدثت أشياء غريبة مثل خروج وزيرة التعاون الدولى التى وقعت طلب القرض من البنك لتقول إن القرض يتنافى مع الكرامة الوطنية! عندها أحسست أن بناء الأوطان لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة، وأن رؤيتى للاقتصاد المصرى لن تتحقق على الأقل فى ظل هذه الإدارة.

 

•••

 

ويأتى «الفلاح الفصيح» ليعاتبنى: لقد رفضتم القرض وأنتم الآن تعودون بعد ضياع الوقت وفى ظل ظروف أكثر قسوة وشروط أكثر حدة كأن يطلبوا تخفيض قيمة الجنيه. وأقول له: على ما يبدو يا صديقى أننا لا نفوت فرصة لإضاعة القرض، لقد نزف الاقتصاد المصرى 21 مليار دولار خلال الخمسة عشر شهرا الماضية نتيجة ضياع الفرصة لإعادة الاقتصاد للعمل منذ أبريل 2011.

 

 

سمير رضوان وزير المالية السابق
التعليقات