الأمل المُرَاوِغ - عمرو خفاجى - بوابة الشروق
الأربعاء 29 مايو 2024 6:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمل المُرَاوِغ

نشر فى : الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 نوفمبر 2013 - 8:00 ص

غالبية الأحداث التى تنشغل بها مصر هذه الأيام، وبالتالى تستجيب لها وسائل الإعلام وتبرزها، هى غالبا قضايا واهتمامات بعيدة عن متن الأجندة العاجلة والضرورية التى يحتاجها الوطن والمواطنون، وبالتالى ينشغل الرأى العام بقضايا ليست بالضرورة هى القضايا التى يجب أن ينشغل بها فى هذه المرحلة الانتقالية، التى نتمناها أن تكون أخيرة، فنحن تقريبا، منذ الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ نعيش فى مراحل انتقالية، وكل القضايا الكبرى تؤجل من تلقاء نفسها تحت دعوى تركها للنظام المستقر المستمر.

وحينما تبدأ الأحداث فى الخفوت، أو تكون هناك فترة بلا أحداث جسام، تبدأ أسئلة المستقبل فى طرح نفسها على الرأى العام، فيتنبه المواطنون لذلك ويبدأون بدورهم فى السؤال عن مستقبلهم، وماذا يجرى ــ حقيقة ــ فى حاضرهم، هنا فقط لا يجد المواطن نفسه حاضرا فى تلك النقاشات، رغم ان عنوان النقاشات عادة ما يحمل التعبير الخالد «الحوار المجتمعى» وموضوع النقاش هو المعنى به أساسا، وهى تفاصيل طويلة ومزعجة ويختلف ترتيب أولوياتها من مواطن إلى آخر، هنا يفتش المواطن عن الأمل، فلا يجده، كل ما يستقبله أخبار لا تبدو طيبة أو جيدة، وأن تلك المآسى التى يتحدث عنها المسئولون الحكوميون، ما هى إلا مكاشفة بحقيقة وضعنا الاقتصادى، وأن الحكومة لا تريد أن تستمر مثل سابقيها فى خداع الجماهير.

طبعا لا أحد يطالب الحكومات بالكذب، أو يدعو المسئولين لخداع المواطنين، وإنما المطلوب هو تقديم الأمل لهؤلاء المساكين الذين ينتظرونه منذ ما يقرب من ثلاثة وثلاثين شهرا، وهناك أصلا فارق ضخم بين الحديث الدائم والمتكرر والصاخب عن المشكلات والأزمات، وعن الحديث المقتضب عن حلول تلك المشكلات والأزمات، فلا يعنى أن تكون الحكومة صريحة وشجاعة وتكشف للمواطنين حقيقة الأوضاع، أن تخفى عنهم ما تفعله من أجل تجاوز ذلك، والانتقال إلى الأفضل، وربما تكون حكومة الدكتور حازم الببلاوى قد قامت بالفعل بإجراءات حقيقية وفعالة فى هذه الاتجاهات، لكن الأكيد أن المواطن لم يشعر بذلك حتى الآن، وهذا هو محور الأزمة بالضبط، فالمطلوب من الحكومة أن تضع ما صنعته من أجل المواطن فى واجهة الأحداث، وتحدثه طويلا عن الأمل وتبشر به، وتقنعه أنه قادم بالفعل، وانها تسهر على ذلك، وإن هذه الحكومة التى جاءت فى لحظات تاريخية خاصة، لم تأت إلا من أجل تحقيق ذلك الأمل الذى يراوغنا منذ مغادرة مبارك لقصره فى الحادى عشر من فبراير ٢٠١١.

فى تقديرى، أن أزمة هذه الحكومة، مثل أزمة بقية الحكومات التى أدارت شئون البلاد فى النصف قرن الذى مضى، حكومات تأتى غالبا وسط أحداث سياسية ملتهبة، وكأن وظيفتها الوحيدة تسيير الأعمال، بما فى ذلك الحكومات التى شكلها مبارك، فبالرغم من أن سنوات حكمه كانت شديدة الهدوء، فإن صراعاتها الداخلية المختفية، لم تمكن أحدا من العمل مباشرة مع المواطنين، أو التواصل معهم، أو كانت الرئاسة تفرض حدود عمل كل وزير أو مسئول، وبالتالى غابت الرؤية تماما طوال هذه السنوات، والرؤية هى ما تحتاجه مصر فعلا للذهاب للمستقبل، ومن دون رؤية لن تستطيع أى حكومة فعل أى شىء أيا كانت كفاءة أعضائها، وإذا عدنا لضرورة الحديث عن الأمل الذى يراوغنا، فلن تستطيع أى سلطة تسويقه للشعب، إن لم يكن مصحوبا برؤية شاملة لما تنوى البلاد فعله من أجل مواجهة المشكلات التى تحولت إلى معضلات، وغياب الرؤية تحديدا، هو ما تعانى منه مصر منذ سنوات طويلة، ثم تفاقمت أزمة هذا الغياب واحتدت بعد الثورة، لأن كل ما يحدث هو آليات واضحة فى صراع على سلطة، وصراع على سلطة فقط لا يستهدف بناء هذا الوطن، حتى الذى تمكن من الحكم وقدم رؤيته باسم «مشروع نهضة» لم يتركنا نحلم بهذا المشروع وصدمنا بأنه لا يوجد من الأساس مشروع نهضة، لذا يجب أن تكون الرؤية حقيقية وجادة وممكنة، وقتها سنصدق أننا سنراوغ الأمل ونتمكن منه، أما من يفكر بتكرار خدعة «مشروع النهضة» فليتأكد أيضا أن مصيره لن يختلف كثيرا عن مصير أبطال الخدعة الأولى، فالأزمة لم تكن فقط إرهابا وفاشية دينية كما يعتقد البعض.

عمرو خفاجى  كاتب صحفي وإعلامي بارز
التعليقات