شعر صدر الثائر الأسمر! - بلال فضل - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 9:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شعر صدر الثائر الأسمر!

نشر فى : الثلاثاء 5 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 5 نوفمبر 2013 - 10:16 ص

4 ــ «فصلنى السادات من عملى لأننى طلقت زوجتى» هكذا يحكى أحمد طلعت وقائع قصة مؤسفة كان يمكن أن تكون قصة شخصية بحتة، لولا أنه كان يعيش فى مصر فتحولت تلك القصة إلى قضية سياسية وصلت إلى رئاسة الجمهورية.

القصة بدأت بتعرف أحمد طلعت على صحفية فى مجلة أسبوعية يرمز لها طلعت بالصحفية (م) كانت قد نشرت تحقيقا عن جماعة (شهود يهوه) وبعض الشخصيات العامة المنتمية لها، لفت التحقيق انتباه السادات فطلب من طلعت أن يلتقى بالصحفية ويحصل منها على تفاصيل أكثر عن تلك الجماعة وعلاقتها بالصهيونية العالمية، لكن لقاء طلعت بالصحفية تحول إلى علاقة عاطفية تطورت إلى عقد قران، وخلال فترة تأثيث بيت الزوجية التى كان مقررا لها أن تستغرق عاما، جاءت الصحفية إلى طلعت لتريه بروفات موضوع أجرته فى بيت السادات تحدث فيه عن حياته الخاصة، وكانت ستنشره خلال أيام فى مجلتها تحت عنوان (مع الثائر الأسمر فى بيته)، وفوجئت الصحفية بأن الحوار أغضب زوج المستقبل الذى قال لها إن الناس سيفهمون الحوار على أنه استخدام منه لزوجته من أجل التزلف للسادات ونفاقه، كما أخبرها أن بعض العبارات الموجودة فى الحديث لا يليق أن تصدر عن سيدة متزوجة مثل قولها «وضحك أنور السادات فلمعت أسنانه البيضاء بين شفتيه»، أو «وكان يرتدى قميصا ترك بعض أزراره مفتوحة فظهر منه شعر صدره»، حاولت الصحفية أن تدافع عن نفسها معبرة عن ذهولها لأن زوجها لم يستفد شيئا من دراسته فى فرنسا، لكن مناقشتهما تحولت إلى خناقة انتهت بتهديد طلعت لها بأنه لو تم نشر الموضوع سيرسل لها ورقة الطلاق.

خرجت الصحفية من مكتب زوجها لتتصل بالسادات وتخبره بما حدث، فقال لها السادات كما نقل عنه أحد أولاد الحلال « لن يجرؤ زوجك على تنفيذ شىء مما هددك به»، وفى صباح اليوم الذى نشر فيه حديث «الثائر الأسمر» تغيب طلعت عن مكتبه لمدة نصف ساعة ليوقع فيها أوراق الطلاق وعاد إلى مكتبه، وفى اليوم التالى جاءت إليه الصحفية فى مكتبه لتحاول تسوية الخلاف ولم تكن تعلم بما تم، فأخبرها بما فعله، وقدم لها ورقة لتسوية موقف كل منهما من أثاث بيت الزوجية، فوقعت الورقة وخرجت وهى فى قمة الغضب، وفى نفس اليوم وبعد أن انتهى طلعت من عمله وأثناء تناوله للغداء فى بيته فوجئ باستدعائه للعودة إلى مكتبه بشكل غير مألوف، ليفاجأ بأنه مطلوب للتحقيق أمام زميله فى الإدارة القانونية أسعد عبدالسلام، وبعد أن سأله عن اسمه وسنه كان السؤال الأول: «ما هو موضوع الخلاف بينك وبين زوجتك؟»، وبأقصى درجة من التماسك أجاب أن هذا موضوع شخصى لا شأن لجهة العمل به، لكنه فوجئ بإصرار المحقق على أن يأخذ أقواله فى شكوى قال إن زوجته تقدمت بها إلى المنظمة شفاهية لتتهمه بأن هناك مسائل مالية بينهما لم تتم تسويتها، وبعد شد وجذب أبلغه قرار السادات بإيقافه عن العمل فورا بدءا من تاريخ 13 نوفمبر 1957.

كانت طليقته (م) قد اتجهت بعد خروجها من مكتبه إلى بيت السادات الذى كان يقع وقتها فى شارع الهرم لتستقبلها زوجته السيدة جيهان والتى كانت قد وثقت صلتها بها منذ فترة حيث كانت تساعدها من خلال عملها كمحررة لباب الأزياء فى معرفة ما هو معروض فى محلات ملابس السيدات، بعد أن حاولت السيدة جيهان أن تخفف صدمة صديقتها اتصلت بزوجها تليفونيا فى مكتبه لتروى له ما حدث لصديقتها من مرءوسه وتطلب منه أن ينصفها فورا، والسادات لم يكذب خبرا واتصل بنائبه أحمد عبدالغفار وأبلغه بقرار الإيقاف عن العمل وأمره بإحالة طلعت إلى التحقيق، وهو ما حكاه عبدالغفار لطلعت عندما استقبله فى بيته فيما بعد.

لجأ طلعت إلى المحامى الشهير الدكتور على الرجال وقرر السفر إلى لبنان للاستجمام والتفرغ لتأليف كتاب عن المسلمين فى روسيا، كتب الدكتور الرجال خطابا مستفيضا للسادات طلب فيه رفع الإيقاف مستخدما عبارات تقرر بأن ما حدث لطلعت سببه استخدام الصحفية لعلاقاتها الشخصية المعتمدة على عملها، وتذكر بأن ما حدث ظلم وأمد الظلم قصير ودولة الباطل ساعة وعبارات أخرى قوية اللهجة، ليأتى بعدها بأيام خطاب يفيد بفصل طلعت من الخدمة، ليس فقط لأن ما صدر عنه يخل بسلوك موظفى المؤتمر بل لأنه قام بدفع طليقته للتوقيع على ورقة الأثاث خلال مواعيد العمل الرسمية، ولأنه سافر إلى الخارج من غير إذن، وذلك لكى يكون هناك أسباب قانونية لفصله لا تتعلق فقط بحياته الشخصية.

فى اليوم التالى ذهب طلعت إلى مكتبه ليجمع أوراقه، فلم يزره أحد من زملائه لتوديعه، لأنه لم يحب أحد أن يخاطر بتحية رجل مغضوب عليه، ولم يقم بالسلام عليه سوى عم حبشى فراش مكتبه الذى جاءه بفنجان القهوة المعتاد وحمل له حقيبة أوراقه إلى سيارته وهو يكتم دموعه، وهو ما أثر فى نفس طلعت وجعله يهدى له كتابه الثانى عن (المسلمون فى روسيا) والذى جاء فيه جملة تقول «من الناس من يغلق على نفسه الأبواب ويضع على مكتبه عشرات الأجراس والتليفونات وعلى الباب الخارجى تنتظر السيارات الفارهة لتعود بالصنم إلى بيته بعد ساعات قليلة قضاها فى مكتبه المكيف... ومن الناس من يشقى النهار بطوله يمسح الأرض وينظف المكاتب... إلى واحد من هؤلاء الكادحين لن تمحى من مخيلتى صورته والدموع تترقرق فى عينيه يوم غادرت مكتبى بالمؤتمر الإسلامى إلى حبشى الفراش أهدى هذا الكتاب تقديرا منى لعمله المتواضع ووفائه العظيم»، وعندما وصل الكتاب إلى السادات غضب وأخذ يردد أمام حاشيته قائلا: «الولد يقول عنى إننى صنم»، ولم يكن أحمد طلعت يعرف أن ثمن طلاقه وتحديه لإرادة أنور السادات وحرمه لن تكون الفصل فقط بل إن ثمنا أكثر فداحة سينتظره فى المستقبل القريب.

ونكمل غدا بإذن الله.