العدالة الاجتماعية هدف الثورة الذى اختفى - سمير كرم - بوابة الشروق
السبت 4 مايو 2024 5:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العدالة الاجتماعية هدف الثورة الذى اختفى

نشر فى : الأربعاء 7 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 7 مارس 2012 - 8:00 ص

من بين الأهداف الرئيسية لثورة 25 يناير 2011 ينبغى التمييز بين ما هو وسيلة وما هو غاية. هذا أبسط تمييز لكنه الأهم.

 

وإذا قلنا إن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية هما الهدفان الرئيسيان لهذه الثورة الأعظم فى التاريخ المصرى نستطيع أن نؤكد أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية. فهى تشير إلى الطريق السليم الذى يمكن تحت مظلته أن يعرب الشعب ــ غالبية الشعب ــ عن آرائه فيما يتخذ باسمه من قرارات لها انعكاساتها الأكيدة على حياته وأيضا على تاريخه.. أى على حاضره ومستقبله.

 

أما العدالة الاجتماعية فهى الغاية ــ بل الغاية القصوى ــ من الثورة لأنها تعنى التغيير الأساسى فى أنماط حياة الشعب ومستوى معيشته. هى هدف الثورة الأهم والأعظم الذى يضمن إزالة أسباب الثورة وإقامة واقع ثورى تستند اليه جماهير الشعب فى أدائها لأعمالها على النحو الذى يضمن الاستقرار. ومن بين شروط الاستقرار تحقق المساواة فى أكثر اشكالها عدالة. وبدون هذا الاستقرار الذى تكفله عدالة اجتماعية يبقى الوطن فى حالة الغليان التى تسبق الثورة وتجعلها حتمية مع مرور الوقت.

 

●●●

 

هذا كلام مبدئى ولكنه ضرورى فى ظروف يتضح فيها (ولا أقول يبدو فقط) أن العدالة الاجتماعية كهدف رئيسى للثورة قد توارت بل اختفت تحت أطنان وأطنان من الأحداث والاهتمامات التى شغلت الثورة بقضايا ثانوية جانبية، لكنها ذات تأثيرات ضارة، مثل التوتر الأمنى والخشية على الديمقراطية من نتائج الانتخابات والتطلع إلى النتيجة التى يمكن أن تسفر عنها انتخابات الرئاسة. هذا فضلا على أن الانشغال شبه التام بمسألة حمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ــ السلطة الاعلى فى البلاد ــ على تقديم موعد انتخابات الرئاسة. وقد أثبت المجلس أنه قادر بمجهود بسيط للغاية على مقاومة هذا المسعى وفرض التواريخ التى حددها للتحولات الديمقراطية.

 

أما هدف العدالة الاجتماعية وهو الهدف الأكثر جوهرية بين أهداف هذه الثورة فقد نسى أو تناسته القوى السياسية الفاعلة. وصل تناسيه إلى حد أن بيان الحكومة الذى القاه رئيسها (د.كمال الجنزورى) أمام مجلس الشعب ضمن ما سمى بالعرس الديمقراطى المصرى خلا من أى كلمة عن العدالة الاجتماعية بل خلا من هذا التعبير نفسه. ولعلنا نتذكر هنا قول المفكر الألمانى من القرن التاسع عشر ارنست ماخ إن السياسيين أكثر الناس معرفة بما يتذكرون وما ينسون. لقد تذكر رئيس الحكومة أدق التفصيلات عن الخسائر التى تكبدتها مصر منذ انطلاق الثورة فى الانتاج والتجارة والسياحة... إلخ وكذلك عن الأموال التى هربت من مصر منذ بداية الثورة وكذلك عن ديون مصر التى تتراكم منذ وقوع الثورة وايضا عن وعود الدول العربية وغير العربية لمساعدة مصر بالمليارات وانعدام الوفاء بها. ولكنه تذكر أن ينسى العدالة الاجتماعية. وليته حكى عنها دون حتى أن يذكر أو يتذكر أنها أحد أهداف الثورة.. بصرف النظر عن كونها أهم هذه الأهداف وأنها غاية وليست وسيلة.

 

لقد أدى تناسى هدف العدالة الاجتماعية إلى سيطرة الإحباط على سلوك الجماهير الشعبية المصرية. إنما نتبين بوضوح أن هذه الجماهير الشعبية داهمها شعور غير طبيعى بأنها إذا لم تكن قد نجحت فى فرض هدف العدالة الاجتماعية، وهى موحدة ومتكتلة بكل كثافة فى ميادين التحرير بأنحاء مصر فربما تنجح فى تحقيق اهدافها إذا تجزأت وتحولت إلى مظاهرات واحتجاجات ذات طابع فئوى. والنتيجة أن الهبات الفئوية انتشرت فى أنحاء مصر، حيث أصبحت كل فئة من العمال أو العاملين تتصور أنها يمكن بذلك أن تفرض مطالب العدالة على من يحكمون البلد ما دامت الثورة قد نسيت هدف العدالة الاجتماعية الوطنى الكبير. وربما تكون بعض المظاهرات الاجتماعية قد نجحت فى تحقيق أهداف صغيرة ومؤقتة لبعض هذه الفئات، لكنها مهما تعددت لا يمكن أن تصل إلى اتمام هدف العدالة الاجتماعية كهدف ثورى وطنى شامل.

 

وقد يؤدى هذا الوضع التجزيئى أو الفئوى إلى نتيجة أخطر. قد يؤدى إلى تراجع تعبير الثورة نفسه من بين التعبيرات المستخدمة فى الخطاب السياسى والاجتماعى والإعلامى، ربما باستثناء أوقات الاحتفالات (...) ألا نلاحظ أن تعبيرات المظاهرات والمتظاهرين والاعتصامات والمعتصمين والاحتجاجات والمحتجين أصبحت هى السائدة وهى الأبرز فى الاستخدامات نفسها، بينما يتراجع تعبير الثورة والثوار؟

 

●●●

 

حتى المقارنة فى هذا الصدد بين ثورة 25 يناير 2011 وثورة يوليو 1952 لم تعد مطروحة فى الأدبيات السياسية أو الاجتماعية، وهو وضع بالغ الغرابة فى ظروف مصر الراهنة وفى الوقت الذى تقترب فيه من الاحتفال بمرور ستين عاما على ثورة يوليو. قد لا نتحدث عن علاقة تربط هذه الثورة بتلك. لكن هل يمكن نسيان المقارنة بين ما هو مشترك وما هو مختلف بينهما؟ إن أكثر الأمور وضوحا هنا هو اهتمام ثورة يوليو فى مراحلها المتتالية بالعدالة الاجتماعية كهدف ثورى وطنى لا يمكن الاستغناء عنه أو نسيانه. لهذا كان من أوائل قرارات ثورة يوليو قرار الحد من الملكية الزراعية. كان ذلك استجابة لهدف القضاء على الاقطاع فى عالم اختفى فيه الاقطاع من الوجود ــ فيما عدا قلة قليلة من الممالك (العربية أساسا) وفى زمن كان يستوجب القضاء على الإقطاع كشرط أولى لقيام مجتمع سليم. وأدركت ثورة يوليو بعد قيامها بتسع سنوات أن القضاء على الإقطاع لا يكفى فكان القضاء على سيطرة رأس المال. وتمثل ذلك فى قرارات الثورة بالتأميم.

 

لا شك أن ظروف ثورة يوليو 1952 تختلف كثيرا عن ظروف ثورة يناير 2011. ولكن الحقيقة التى يفترض ألا تنسى هى أن ثورتنا الحالية قامت متحملة مسئولية استعادة هدف العدالة الاجتماعية الذى وضعته ثورة يوليو فى اعتباراتها وفى حساباتها من بدايتها إلى نهايتها.

 

ربما لهذا السبب يظهر الآن بين حين وآخر الحديث عن حتمية، أو ربما هو احتمال، ثورة ثانية، تكمل طريق ثورة يناير. وهذا حديث يقصد إلى التنبيه إلى أهمية العودة إلى الثورة الاجتماعية لتحقيق العدالة أكثر مما يقصد إلى أى هدف آخر. وربما لهذا السبب يكثر الحديث فى ظروفنا الراهنة عن دور فلول النظام القديم فى محاولة للإبقاء على السيطرة التى لا تزال قائمة لسطوة رجال الأعمال وثرائهم الذى تصونه السياسة وتصونه كل أوضاع ما قبل الثورة أو على الأقل بعضها الذى يلعب أكثر الأدوار أهمية فى استمرار هيمنة أولئك الذين كانت لهم، ولم تزل، الهيمنة الاقتصادية على ثروات البلد.

 

لقد برهنت ثورة يناير على أن تحقيق الديمقراطية هدف أيسر من تحقيق هدف العدالة الاجتماعية. والمهم الآن أن تحقيق الديمقراطية جعل من تحقيق العدالة الاجتماعية هدفا أيسر مما كان قبل تحقيقها. لكن من المؤكد أنه لا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية ــ مهما يسرت ذلك القدرة الديمقراطية ــ بينما لا تزال فى حالة نسيان. قد تستطيع «كمية» الديمقراطية السائدة الآن أن تسمح لجماهير الشعب بأن تنظم المظاهرات والاحتجاجات من أجل مطالب فئوية محددة ومحدودة. وهذه فى حد ذاتها لن تحقق العدالة الاجتماعية.

 

●●●

 

لهذا فإن المطلوب هو أن تسمح أجواء الديمقراطية بالعودة إلى رفع الرايات والشعارات المطالبة بالعدالة الاجتماعية. وهذا يتطلب قرارات ثورية قوية وسريعة لا تحتمل التأجيل أو التدريج. ولا تحتمل النسيان.

 

لهذا فإنه من الضرورى أن تتحرك بهذا الاتجاه كل القوى التى نتجت عن ثورة يناير، بما فى ذلك البرلمان بمجلسيه، وألا تصبح الثورة الثانية ضرورة قصوى.. لأنه لا ثورة أصلا فى العصر الذى نعيش فيه بدون عدالة اجتماعية.

 

نحن بحاجة إلى سياسيين لا ترتكز قدراتهم على معرفة ما ينبغى تذكره وما ينبغى نسيانه، إنما إلى سياسيين ثوريين يؤمنون بالعدالة الاجتماعية ولا يسمحون بنسيانها. 

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات