المثقف الحقيقى.. والمثقف الديجيتال - وائل قنديل - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 2:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المثقف الحقيقى.. والمثقف الديجيتال

نشر فى : الخميس 6 مايو 2010 - 10:31 ص | آخر تحديث : الخميس 6 مايو 2010 - 10:31 ص
جميل أن ينتفض اتحاد كتاب مصر ضد مصادرة الفكر والإبداع، لكن الأجمل أن تكون هذه الانتفاضة عقلانية وواعية بعيدا عن المزايدات والقفز على حقائق تبدو دامغة أمام الجميع.

أمس، أصدر اتحاد الكتاب بيانا ناريا ضد مصادرة أحدث طبعات «ألف ليلة وليلة» وهذا شىء رائع ومطلوب، لكن أن يشتط بالاتحاد الحماس ويصل إلى حد المطالبة بتدريس «ألف ليلة» لطلبة المدارس فهذا ما يجب الوقوف أمامه ومناقشته بهدوء من عدة جوانب.
أولا: لا يستطيع أحد من الباحثين، أن يحدد بدقة ما هى الطبعة الأصلية الصحيحة من «ألف ليلة وليلة» ذلك أنها تراث شفاهى لا أحد يعلم منبعه بالتحديد، وقد صدرت منها عشرات الطبعات تختلف فيما بينها باختلاف كاتبيها.

ثانيا: فصول «ألف ليلة وليلة» تحفل بالعديد من المشاهد الجنسية الصريحة والفاضحة، الأمر الذى جعل كثيرا من أساتذة الأدب الشعبى يميلون إلى حصر تداولها ــ دون حذف أو تنقيح ــ على الدارسين المتخصصين فقط، فيما يمكن طرح نسخ منقحة ومنقاة على الجمهور العادى لما فيها من عبارات صادمة وخادشة، على نحو أتحدى معه أن يقوم أحد المنتفضين ضد المصادرة بنشر مقاطع منها فى مقال أو موضوع صحفى يقرأه العامة.

ثالثا: لماذا فى هذا التوقيت يشتعل حريق «ألف ليلة وليلة» لماذا لم يتحرك «الإخوة» أصحاب «محامون بلا قيود» إلا فى هذه الفترة تحديدا لإدخالنا فى أتون معركة جرى استدعاؤها على عجل من «الأرشيف» لكى ينصرف إليها المجتمع بأسره، بينما مخططات رفع أسعار الطاقة وتهيئة المسرح لطبخ الانتخابات المقبلة تجرى على قدم وساق؟

لقد طبعت «ألف ليلة وليلة» قبل ذلك مرات عديدة ولم تشتعل الحرائق حولها بهذا الشكل المروع، تحت لافتة «التراث مقدس لا يجوز الاقتراب منه» على الرغم من أننا لم نسمع صوتا من اتحاد الكتاب أو غيره من مؤسساتنا الثقافية الرسمية حين جرت عملية ختان دامية فى مناهج التعليم لحذف واستبعاد ما يعتبره من بيدهم الأمر ضد «ثقافة السلام».. لماذا نكون ضد المصادرة هنا ومع المصادرة هناك؟

إن أسوأ ما ابتليت به حياتنا هو ذلك النمط من المثقفين «الديجيتال» المصابين بالشيزوفرينيا، يتحدثون عن قيم الحرية ويناضلون ضد نظم القمع بالنهار ويتسللون على أطراف أصابعهم لاستلام جائزة القذافى بالليل، يصدعون رءوسنا بأحاديث عن استقلالية المثقف وموضوعيته، ثم لا يتورع رئيس اتحاد كتاب مصر (مثلا) عن وصف كتاب عادى لحاكم عربى بأنه أعظم منتج ثقافى فى القرن الحادى والعشرين، رغم أن القرن لم يمض منه سوى عشر سنوات.
كيف يمكن أن نصدق أنه ضد المصادرة، بينما هو يصادر حق الناس فى اختيار كتاب قرن لم يبدأ بعد؟
wquandil@shorouknews.com





وائل قنديل كاتب صحفي